أساسا، وتعلل انتشارها في جميع مناطق التكلم المحلي المشتركة، فهي دائما لغة وسطى، تقوم بين لغات أولئك الذين يتكلمونها جميعا.
هذه هي السمة الأساسية لكل لغة مشتركة، وإذا أتيح لها أن تنتشر في قطر من الأقطار، أو في دولة من الدول، أخذت العناصر المشتركة التي تدخل في تكوينها في الازدياد، ويؤدي ذلك بالضرورة إلى النزول بمستواها، كلما ازدادت انتشارا، وازدادت العناصر التي تستعيرها، من صور اللهجات المحلية.
أما عوامل قيام هذه اللغات المشتركة، فترجع إلى التفوق السياسي، والديني، والاقتصادي، والأدبي، والاجتماعي، ونضرب على ذلك مثلا من اللغة العربية، فقد انقسمت اللغة العربية، منذ أقدم عصورها، إلى لهجات كثيرة، تختلف فيما بينها في كثير من الظواهر الصوتية والدلالية، كما تختلف في مفرداتها وقواعدها، تبعا للقبائل المختلفة، التي تتحد ظروفها الطبيعية والاجتماعية، أو تتباين هذه الظروف. ثم أتيحت لهذ الهجات العربية فرص كثيرة للاحتكاك، بسبب التجارة تارة، وتجاور القبائل تارة أخرى، وتنقلها في طلب الكلأ والمرعى، أو تجمعها في مواسم الحج، والمعاملات التجارية في الأسواق، واللقاء في الحروب الأهلية والغزوات وأيام العرب، وما إليها. وعندما اشتبكت هذه اللهجات في صراع لغوي، كان النصر فيها للغة مشتركة، استمدت أبرز خصائصها من لهجة قريش، التي طغت على سائر اللهجات الأخرى، فأصبحت لغة الأدب بشعره ونثره، ولغة الدين، ولغة السياسة والاقتصاد.
أما العوامل التي ساعدت لغة قريش، على أن تتبوأ -دون غيرها- هذه المكانة، فإنها نفس العوامل التي تحدثنا عنها من قبل، فقريش كانت