أما إذا كتب للغتين البقاء، فإن كل لغة منهما، تعمد إلى ما تأخذه من الأخرى، وتضفي عليه من حيويتها، وتقضي على ما فيه من الآثار الهدامة، سواء أكانت هذه الآثار متعلقة بالأصوات، أم بالقواعد، أم بالبنية، أم بالأساليب. وعلى هذا تبقى كل منهما وتعيش بجوار أختها، لها طابعها الخاص، وشخصيتها القوية.
ولقد كان هذا شأن العربية، مع اللغة التركية -كما عرفنا من قبل- ومع اللغة الفارسية، حين دخلا في صراع لغوي، بعد أن فتح العرب بلاد فارس، وشأن الألمانية والفرنسية في سويسرا، كما ذكرنا سابقا.
ويضع اللغويون قواعد تنص على أن اللغة، لا تتغلب على لغة أخرى، إذا توفرت الأسس التالية:
١- أن تكون اللغة الغالبة، لغة شعب متحضر، أرقى من الشعب المغلوب، في حضارته وثقافته، وأقوى منه سلطانا وأوسع نفوذا.
٢- أن تبقى غلبة الغالب زمانا كافيا، مع استمرار قوته، لتتمكن اللغة الغالبة من بسط نفوذها، ويتم لها نصر حقيقي.
٣- أن تكون هناك جالية كبيرة العدد والنفوذ، تقيم بصفة دائمة في بلاد الشعوب التي غلبت لغتها، وتمتزج بأفراد هذا الشعب، ولا تعيش إطلاقا في عزلة عنه.
٤- أن تكون اللغتان: الغالبة والمغلوبة، من شعبة لغوية واحدة، أو من شعبتين متجاورتين.