للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بها أوسع ما يمكن من التثقيف، يقول تلميذه التبريزي: "ما أعرف أن العرب نطقت بكلمة، ولم يعرفها المعري"١، ويقول ابن فضل الله العمري: "كان أبو العلاء مطلعًا على العلوم لا يخلو في علم من الأخذ بطرف، متبحرًا في اللغة، متسع النطاق في العربية"٢، ويقول البغدادي، إنه "كان عالمًا باللغة حافظًا لها"٣، ويقول ابن الجوزي: إنه "سمع اللغة، وأملى فيها كتبًا، وله بها معرفة تامة"٤، ويقول الذهبي: إنه "كان عجبًا في الاطلاع الباهر على اللغة، وشواهدها "٥، ويقول له داعي الدعاة في إحدى رسائله: "إنه جعل مواده كلها منصبة إلى أحكام اللغة العربية والتقعر فيها، واستيفاء أقسام ألفاظها ومعانيها"٦، وهذه كلها نصوص تشهد بثقافته الواسعة في اللغة، إذ لم تكن هناك شاذة، إلا وهو يعرفها ويعرف شواهدها من الشعر العربي قديمه وحديثه.

وأكبر الظن أن هذا الجانب في أبي العلاء، هو الذي جعل التلاميذ يقبلون عليه من جميع الآفاق٧، وقد عقد لهم ابن العديم فصلا ذكر فيه مشاهيرهم٨، ويقول ابن فضل الله العمري: "أخذ عن أبي العلاء خلق لا يعلمهم إلا الله عز وجل، كلهم قضاة وأئمة وخطباء، وأهل تبحر وديانات ... وكان له أربعة من الكتاب المجودين يكتبون عنه ما يكتبه إلى الناس، وما يمليه من النظم والنثر، والتصانيف، والإجازات والسماع لمن يسمع منه ويستجيزه، وغير هؤلاء من الكتاب الذين يغيبون ويحضرون، منهم جماعة من بني أبي هاشم"٩.

ويظهر أن هؤلاء الكتاب لم يكونوا يتقاضون شيئًا على كتابتهم، فأبو العلاء يقول عن أحدهم إنه "أفنى فيه زمنه، ولم يأخذ عما صنع ثمنه"١٠.

وعلى هذا النحو كان أبو العلاء يملأ فراغه الطويل في عزلته، التي امتدت نحو خمسين عامًا بالبحث، والدرس مع تلاميذه كما كان يملؤه بكتابة آثار فنية من شعر ونثر، وقد ذهب يغرب في هذه الكتابة أوسع ما يكون الإغراب، بل لقد ذب يعقد فيها أوسع ما يكون التعقيد، وكأنه كان يتخذ التعقيد غاية في نفسه ولنفسه، فهو يسرف أشد ما يكون الإسراف، وسنقف لتفسير ذلك في آثاره النثرية تفسيرًا واضحًا.


١ أبو العلاء، وما إليه للراجكوتي ص٥٣.
٢ تعريف القدماء ص٢٦٨.
٣ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٤/ ٢٤٠.
٤ تعريف القدماء ص١٨.
٥ تعريف القدماء ص١٩٠.
٦ معجم الأدباء ٣/ ١٧٧.
٧ تعريف القدماء ص٢٠٨.
٨ نفس المصدر ص٥١٧.
٩ نفس المصدر ص٢٢٣.
١٠ معجم الأدباء ٣/ ١٤٥.

<<  <   >  >>