تمتد مصر على ضفاف النيل من مشارف أسوان إلى تخوم بحر الروم، مطلة عليها من الغرب الصحراء الغربية، ومن الشرق الصحراء الشرقية، وقد استطاعت أن تنهض نهضة واسعة في العالم القديم، بل لقد استطاعت أن تلعب أقدم دور في تأسيس الحضارة الإنسانية، وهو دور لا تزال أهراماته وصروح آثاره ماثلة تحت أعيننا تعبر أروع تبعير عن مدى ما بلغته مصر من مدنية، وقد أخذت تنشر هذه المدنية في الأمم المجاورة، متخذة ضمها إلى ممتلكاتها سبيلها إلى ذلك، فضمت في أطوار مختلفة الشام، وأجزاء من بابل وآشور، وتمضي أحقاب متطاولة ولمصر المكانة الأولة بين الأمم القديمة، ثم يدور الزمن دورة، فيعزوها الرعاة الهكسوس، ولكن سرعان ما تعود إلى نفسها فتطردهم منها، وتخرج مرة أخرى إلى آسيا، فتستولي على بعض أجزائها، ولكن الزمن يدور دورة، بل دورات فإذا مصر يغير عليها الحيثيون ثم الأشوريون ثم الفرس، وتستمر تابعة لهم منذ عام ٥٢٥ ق. م، حتى يخرجهم منها الإسكندر المقدوني عام ٣٣٣ ق. م، وبذلك تنتقل إلى حكم الإغريق، ويختط بها الإسكندر مدينة الإسكندرية، كما يختط بها بطليموس أحد قواد الإسكندر، دولة كبيرة استطاعت أن تنهض بها نهضة واسعة، وهي دولة البطالسة التي أقامت في الإسكندرية دارًا كبيرة للكتب، كما أقامت دارًا أخرى سمتها دار المتحف، وكانت جامعة كبيرة أضاءت منها أنوار الثقافة اليونانية، وخاصة بعد أن استولى الرومان على أثينا، فإن كثيرًا من أساتذتها فروا، ومعهم ما تبقى من مصابيح تلك الثقافة إلى