للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإسكدرية، وقد رجعت هذه المصابيح تضيء متوهجة بمصر طوال عصر البطالسة، وبعد البطالسة، فإن جامعة الإسكندرية، ظلت قائمة في عهد الرومان الذين استولوا على مصر منذ عام ٣١م، ونحن نعرف أن روما لم تحاول أن تبعث في مصر نهضة ثقافية، إذ كانت تتخذها مخازن لما يلزمها من قمح، وكم أثارت فيها من حروب، وسفكت من دماء وأزهقت من أرواح!

وتدور عجلة الزمن دورة، فإذا عمر بن العاص يأتي على جيش عربي كبير عام ٦٤٠م، متخذًا طريقه تلك الدروب، والمسالك التي كانت تشق طور سيناء إلى مصر، ويتعقب الروم في غير موقع، ويستطيع -بما أوتي من قوة- أن يطردهم منها، وبذلك تدخل في مصر عصر جديد هو عصر الإسلام والعروبة؛ وهو عصر امتاز منذ أوائله بالعدل، وأن يكون الناس سواسية أمام حاكمهم، فلا يضطهد أحد في نفسه ولا في ماله ولا في دينه، وقد أخذ المصريون يدخلون في دين الله أفواجًا، وهاجر إليهم كثير من قبائل العرب، ونزلوا ريف مصر، فكان ذلك عاملًا من عوامل الاندماج بين المصريين والعرب، على أنه ينبغي أن لا يفهم من ذلك أن المصرين تقبلوا الحكم العربي، وخضعوا له خضوعًا، بل كانوا كثيرًا ما يثورون١، وخاصة من أجل الضرائب التي كانوا يؤدونها، ولولا أن موجة الإسلام كانت حادة ما استطاع العرب أن يستمروا بمصر، فإن المصريين نزعوا عن دينهم، أو قل نزعت كثرتهم عن دينها إلى الدين الجديد، وحتى من بقي منهم على دينه أخذ يهجر لغته القبطية، وما كان يعرف من اليونانية إلى اللغة العربية بحيث لا نصل إلى القرن الرابع، حتى نجد أسقف أشمون يشكو من انعدام اللسانين، القبطي واليوناني في قبط مصر٢، وما من ريب في أن ذلك يؤكد اندفاع مصر اندفاعًا شديدًا نحو التعريب، واتخاذ العربية لسانًا لها، فقد نزعت عنها ثيابها اللغوية القديمة، واتخذت مكانها ثيابًا عربية جديدة.


١ Stanley, Lane -poole, AHistory of Egypt in Midle Ages, pp. ٢٨, ٢٣.
٢ انظر كتاب سير البطاركة لساويرس "طبع بيروت" ص٦، وهو مؤلف بعد عام ٤٠٠ هـ بقليل.

<<  <   >  >>