يفتح الإسلام صفحة جديدة في تاريخ النثر العربي، هي صفحة دين قويم بعث به رسول عظيم، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وينقل العرب وغير العرب من حياة الفوضى، والهمجية والخرافة والوثنية، والعداوة والبغضاء إلى حياة مدنية، قوامها سعادة الجنس البشري وهناءته.
ولا يمضي نحو عشرين سنة حتى يجمع محمد صلى الله عليه وسلم العرب على هذا الدين الحنيف، ويستأصل ما كان فيهم من جذور همجية، ووثنية وتفكك وتخاصم، فيصبحوا بنعمة الله أمة واحدة تتعاون على الخير والبر والتقوى، ويخروا إلى الأذقان سجدا خشوعا لربهم، ورهبة من عقابه ورغبة في رحمته التي وسعت كل شيء.
لم يعد العرب قبائل متنابذة، كما كانوا في الجاهلية، يقتل بعضهم بعضا معظمين للدماء مفاخرين بالأحساب والأنساب، بل أصبحوا جماعة واحدة رحماء فيما بينهم، يسند قويهم ضعيفهم، لا يتحاربون ولا يتخاصمون، بل يتآزرون ويتعاونون، فلا نهب ولا سلب، ولا عصبية قبلية ولا دعوة جنسية، فالمسلمون جميعا من كل القبائل ومن عرب، وغير عرب إخوة لا فضل لغني على فقير، ولا لقوي على ضعيف، بل هم جمعيا سواء، ولا شريف على مشروف، ولا حر ولا عبد. كل منهم يرعى أخاه وحقوقه، وله حريته، ولكن بحيث لا تمس حرية الآخرين، فقد حدد الإسلام لهذه الحرية بتكاليفه الدينية بما حرم بن ضروب الإثم، ما ظهر منها وما بطن.