إنه دين سماوي، تعنو فيه الوجوه للحي القيوم الذي خلق السموات والأرض وما بينهما، وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى، ومد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات، فهو باعث كل حياة. قد أحاطت قدرته كما أحاط علمه بكل شيء، فهو القاهر فوق عباده:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} ، وإنه ليعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور، وقد أعذر رسوله الكريم وأنذر، في عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها، فإن وراء هذه الحياة حياة أخرى يحاسب فيها المرء على ما قدمت يداه، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، فإما الجنة والنعيم، وإما النار والجحيم، والله مع سلطانه وعدله رحيم، وعلى المسلم أن يصدع بأوامره ونواهيه في سره وعلنه، وأن يسير على هدى نبيه، وما شرعه للناس، وأن يأخذ بتعاليمه ووصاياه التي تحقق له السعادة في دنياه وأخراه.
وفي هذا الدين الكريم عقائد تتصل بوحدانية الله، والإيمان برسله وكتبه واليوم الآخر، وأن وراء عالمنا نوعين من الأرواح، نوعا خيرا هو الملائكة، ونوعا شريرا هو الشيطان، وفي الدين أعمال تتصل بعبادة الله وطاعته، هي الصوم والصلاة والزكاة، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا، وإنه ليدعو من آمن به إلى سيرة مستقيمة، فلا بغي ولا عدوان ولا فحش، ولا قتل ولا نهب، ولا نميمة ولا غيبة ولا كبر ولا فخر، بل حياة طاهرة تقية، خلصت من كل الشوائب، وهي حياة وضع لها الدين نظاما اجتماعيا سديدا يكفل للجنس البشري ما يليق به من كمال، إنها رسالة جليلة، ورسالة لم يؤدها أي دين من الأديان على هذه الصورة المثالية، ومن ثم لم تؤثر في العرب وحدهم، بل أثرت في العالم جميعه، ودانت لها الأمم في مشارق الأرض، ومغاربها مقرة بجلالها وجمالها.