للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[التصنع وتصنيع بديع الزمان]

...

٥- التصنيع وتصنيع بديع الزمان:

رأينا بديع الزمان يعني في رسائل بتطبيق أساليب التصنيع عناية واسعة، وقد أفرط في ذلك إفراطًا أتاح لضروب من التصنع أن تتسرب إلى كتاباته، ولعل في مقدمة هذه الضروب ما نحسه عنده من مبالغات، وتهويلات تشبه تهويلات الخوارزمي، ومبالغاته، بل لعل الخوارزمي لم يفرط إفراطه، على أن هذا ليس هو الجانب الأهم في تصنيع البديع، بل هناك جوانب كثيرة نحسها لأول مرة عنده، وإنها لتجعله قريبًا من ذوق أصحاب التصنع، إذ كان يحاول دائمًا أن يأتي بجديد في فنه، وأدته هذه المحاولة إلى فنون من التصنع، لا عهد لأصحاب التصنع بها، واستمع إلى هذه الرسالة، التي كتبها يصف نهب اللصوص له في أثناء رحيله من جرجان إلى نيسابور١:

"كتابي، وأنا أحمد الله إلى الشيخ، وأذم الدهر فما ترك لي فضة إلا فضها، ولا ذهبًا إلا ذهب به، ولا علفًا إلا علقه، ولا عقارًا إلا عقره، ولا ضيعة إلا أضاعها، ولا مالًا إلا مال إليه، ولا حالا إلا حال عليه، ولا فرسًا إلا افترسه، ولا سبدًا إلا استبد به، ولا لبدًا إلا لبد٢ فيه، ولا بزة إلا بزها، ولا عارية إلا ارتجعها، ولا وديعة إلا انتزعها، ولا خلعة إلا خلعها، وأنا داخل نيسابور، ولا حلية إلا الجلدة، ولا بردة إلا القشرة".

ألا تشرع بأن البديع في هذه الرسالة، قد تجاوز الطرق الطبيعية في الزخرفة


١ الرسائل ص١٠٤.
٢ السبد واللبد من قولهم: ما له سيد ولا لبد، أي لا قليل ولا كثير.

<<  <   >  >>