تناول أبو العلاء كتابة النثر من الأدباء، والكتب الذين سبقوه وعاصروه، فعقدها تعقيدًا شديدًا، وهو تعقيد أتاحه له فراغه الطويل، الذي أمضاه في عزلته عن الناس، وربما كان لضيقه بالحياة وبرمه بها أثر في هذا التعقيد، فقد انقلب هذا الضيق من حياته إلى فنه، فإذا هو يعقده على الناس، حتى ينفس بتعقيده عن ضيقه، وأيضًا فإن فقده لبصره، وإحساسه العميق بهذا الجانب جعله يطلب التفوق على معاصريه، وقد ذهب يحاول هذا التفوف عن طريق تعقيد فنه تعقيدًا لم يكن يستطيعه إلا صانع ماهر، انبسط له ما انبسط لأبي العلاء من الزمن الطويل، إذ أقام في عزلته أو في محسبه نحو خمسين عامًا، فماذ يصنع في هذا الحبس الطويل، وكيف يمضي فراغه فيه؟ لا بد أن يفزع إلى ضروب من العبث في فنه، وإنها لضروب تؤديه إلى تعقيد هذا الفن عقدًا مختلفة، وهي عقد يلتمسها تارة في استخدامه الغريب، وأوابد الكلام والأمثال، والإشارات التاريخية، وتارة أخرى يلتمسها في تصعيب ممراته إلى أسجاعه، إذ نراه يعنى بالتزام ما لا يلزم فيها، فإذا هو يبني أسجاعه لا على حرف واحد، بل على حرفين أو أكثر، وهو لا يكتفي بذلك، بل نراه يعدل في أحوال كثيرة إلى المجانسة، وهو يستعين على هذه المجانسة باللفظ الغريب، الذي كان يشغف به شغفًا شديدًا، بحيث لا نغلو إذا قلنا: إن أهم ما يميز أبا العلاء في جميع نماذجه النثرية، أنه كان يطلب الغريب من حيث هو، كأن الإعراب زينة ينبغي أن يتحلى