رأينا الكتابة في العصر الأموي تعالج موضوعات علمية وتاريخية، كما تعالج رسائل سياسية واجتماعية ودينية، وليس بين أيدينا وثائق صحيحة تصور كيف كانوا يعالجون مسائل العلم والتاريخ، وحقا مر بنا أنه طبع لعبيد بين شرية كتاب في أخبار اليمن كما طبع لوهب بن منبه كتابه التيجان في ملوك حمير.
ولكن الكتابين جميعا مشكوك في صحة نسبتهما إليهما، وربما كان أصح منها وأونق ما احتفظ به الطبري في تاريخه الكبير. على أن من يرجع إلى ما رواه عن مؤرخي تلك الفترة يلاحظ أن الكتابة التاريخية كانت لا تزال في أول نشأتها، وأنها لم تتطور بالسرعة التي تطورت بها الرسائل السياسية والدينية.
ومن يقرأ ما أثر من رسائل سياسية لهذا العصر يستطيع أن يلاحظ في وضوح، أنها كانت تجري أول الأمر في الصورة التي كانت تجري فيها لعهد صدر الإسلام، فكاتبها أو ممليها لا يتأنق فيها، ولا يقصد إلى تفنن أو زخرف فني خاص، إنما يقصد إلى أداء غرضه في عبارة جزلة مصقولة يغلب عليها الإيجاز.
غير أننا لا نكاذ نتجاوز منتصف القرن الأول للهجرة، حتى تتكامل الرغبات للعناية بتلك الرسائل عناية توفر لها ضروبًا من التجويد والجمال الفني، وكأنما لم تعد الغاية أن تؤدي أغراضها فحسب، بل أضيف إلى ذلك غاية أخرى أن تروع القارئين، والسامعين بتحبيرها وتنميقها، وكأنها قطعة موسيقية أو لوحات تصويرية، ولم يقفوا بذلك عند ظاهرها، فقد أخذوا ينوعون في معانيها ويفرعون، ويطنبون صورا مختلفة من الإطناب، وسرعان ما نسمع أن عمرو بن نافع كتاب عبيد الله بن زياد، والي العراق "٦٠-٦٤هـ" كان يطيل في رسائله طولا شديدا١. وظاهرة الطول ظاهرة جديدة لم يكن يعرفها العرب في أدبهم إذ كانوا يوجزون قبل عصر عبيد الله بن زياد في شعرهم ونثرهم جميعا، أما منذ هذا العصر، فقد استمرت ظاهرة الإيجاز في الشعر، بينما حلت محلها ظاهرة معاكسة في النثر، وهي ظاهرة لا شك في أنها وليدة التطور العقلي الذي أصابه العرب، فإذا هم يستطيعون أن يبسطوا آراءهم السياسية، وأن يفضلوا في معانيها ضروبا مختلفة من التفصيل.
وإذا مضينا إلى عصر الحجاج، وأغفلنا النظر عن طول الرسائل السياسية، وما يطوى فيه من صنعة في بسط التعبير ومده، ونظرنا في الصياغة والأسلوب