إذا تركنا الصابي والصاحب إلى من عاصروهما من كتاب الدواوين، وجدناهم جميعًا يذهبون هذا المذهب من التصنيع للسجع، والبديع، ومن ينظر في كتاب اليتيمة للثعالبي، وما عرض فيه من كتاب الدواوين يعرف أنهم كانوا جميعًا، يلتزمون هذا المذهب في صنعة نثرهم، إذ كان بدعًا عامًا بينهم، وكان كل منهم يحاول أن يكون له شأن أي شأن في هذا البدع الجديد، ويتضح من اليتيمة أن أشهر الكتاب الذين عاشوا في هذا العصر، وكانوا متدادًا لهذا المذهب هم: عبد العزيز بن يوسف، وأبو العباس الضبي، وعلي بن محمد الإسكافي، وأبو الفتح البستي، إذ كانوا جميعًا يعنون برسائلهم عناية شديدة.
أما عبد العزيز بن يوسف، فقد تقلد ديوان الرسائل لعضد الدولة، وتقلد الوزارة للبويهيين عدة مرات، وفيه يقول صاحب اليتيمة:"أحد صدور المشرق، وفرسان المنطق، وأفراد الكرم الكبار، والآثار والأخبار، وأعيان الممدوحين المقدمين في الآداب، والكتابة البراعة والكفاية، وجميع أدوات الرياسة"١، ساق الثعالبي جملة من نثره، وهي جميعها موشحة بألوان التصنيع، وأصباغه كقوله يصف رسالة كتبها إليه أبو إسحاق الصابي: "علمت كيف تنتظم فرق البلاغة، وتتلاقى طرق الخطابة، وتتراءى أشخاص البيان، وتمايل أعطاف الحسن والإحسان، وقرأت لفظًا جليًا، حوى معنى خفيًا، وفصولًا