ونحن نقف قليلًا عند رسالة مهمة لأبي العلاء، وهي رسالة الغفران التي تمتد إلى نحو مائتي صحيفة من القطع الكبير، وقد كتبها إلى علي بن منصور الحلبي المعروف بابن القارح ردًا على رسالة كتبها إليه، ويظهر أن أبا العلاء كان يعجب بابن القارح، وأنه كان ينفق وهواه في بعض الآراء، التي تتصل بالأديان والنحل، إذ امتلأت الرسالة بسخرية لاذعة من المعتقدات، حتى قال الذهبي: إن بها مزدكة واستخفافًا١، ولسنا نستطيع أن نزعم ما زعمه الذهبي من أن أبا العلاء كان مزدكيًا على مذهب مزدك، وأكبر الظن أن الذهبي لم يحقق هذه الكلمة حين أضافها إلى أبي العلاء، إنما أراد بها أن يصفه بالزندقة لما في رسالته من تهكم على بعض المعتقدات، ولما فيها أيضًا من دفاع واضح عن الشعراء الذين عرفوا بالزندقة، إذ يزعم أبو العلاء دائمًا أن الله غفر لهم، وسميت الرسالة باسم رسالة الغفران من أجل ذلك.
والرسالة تنقسم إلى قسمين عامين: قسم يعتبر مقدمة، وفيه نجد أبا العلاء يستطرد من وصفه لكلمات ابن القارح في رسالته إليه بأنها تشبه أشجار الجنة إلى وصف الجنة نفسها، وما بها من نعيم، في أثناء ذلك يعرض لندماء ابن القارح من علماء اللغة، ويتراءى له أن يجعله يتنزه في الجنة، قيلقي طائفة من شعراء الجاهلية، ثم يعن له أن يرجع به إلى يوم الموقف، فيرده إليه ليصف ما هنالك من أهوال، ويمر به على الصراط، حتى يصل إلى الجنة فيحاور رضوان محاروة