للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤- التعقيد في الفصول والغايات:

لعل أهم كتاب عقده أبو العلاء، وصعبه هو كتاب الفصول والغايات، وهو كتاب قصد به إلى تمجيد الله١، ومع ذلك فقد كان سببًا في حملة شعواء عليه، إذ ذهب خصومه إلى أنه ألفه معارضة للقرآن، ويظهر أنهم واجهوا أبا العلاء بهذه التهمة منذ أخرج الكتاب، يقول ناصر خسرو الذي زار المعرة عام ٤٣٨هـ: "وضع أبو العلاء كتابصا سماه الفصول والغايات ذكر به كليمات مرموزة، وأمثالا في لفظ فصيح عجيب بحيث لا يقف الناس إلا على قليل منه ويفهمه من يقرؤه عليه، وقد اتهموه بقولهم: إنك وضعت هذا الكتاب معارضة للقرآن"٢، وقد استمرت هذه التهمة عالقة بأذهان الناس، يقول الباخرزي: "أبو العلاء ضرير، ما له في أنواع الأدب ضريب، وإنما تحدثت الألسن بإساءته لكتابه، الذي زعموا أنه عارض به القرآن، وعنونه بالفصول والغايات في محاذاة السور والآيات، وأظهر من نفسه تلك الجناية، وجذ تلك الهوسات كما يجذ العير الصليانة"٣، ويقول ابن الجوزي: "رأيت للمعري كتابًا سماه الفصول والغايات، يعارض به السور والآيات، وهو كلام في نهاية الركة"٤.

وإذا فتهمة أبي العلاء بأنه عارض القرآن بكتاب الفصول والغايات، تهمة قديمة وجدت في عصره، واستمرت من بعده، وقد أضاف الرواة إلى هذه التهمة أن بعض الأدباء قال له: إن كتاب الفصول والغايات جيد، إلا أنه ليس عليه طلاوة القرآن، فقال: حتى تصقله الألسن في المحاريب أربعمائة سنة، وعند ذلك انظروا كيف يكون٥، وأكثر الظن أن هذه الرواية لفقت على أبي العلاء، كما لفقت عليه فكرة معارضة القرآن بالكتاب، ولعل مما يشهد لذلك أن نجد تلميذه ابن سنان الخفاجي يردها ردًا عنيفًا إذ يقول: "وهذا الكتاب إذا تأمله العاقل علم أنه بعيد عن المعارضة، وهو بمعزل عن التشبيه بنظم القرآن العزيز والمناقضة"٦، ومن يرجع إلى الكتاب يرفض رفضًا باتًا، ما ادعاه خصومه عليه فيه من هذه المعارضة المزعومة، إذ كله تسبيح وتمجيد في الله، وانظر إليه يقول: "علم ربنا


١ معجم الأدباء ٣/ ١٤٦.
٢ سفر نامه لناصر خسرو "الترجمة العربية"، طبع لجنة التأليف والترجمة ص١١.
٣ دمية القصر للباخرزي "طبع حلب" ص٥٠، والصليانة: نبث ضعيف، والعير: حمار الوحش:
٤ تعريف القدماء بأبي العلاء ص٢١.
٥ تعريف القدماء ص٤٢٦.
٦ تعريف القدماء ص٤٢٦.

<<  <   >  >>