للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تبدو فيه الآثار الفنية، وكأنها متون صعبة يراد بها إلى إظهار المهارة اللغوية، وإنها لمهارة يبث أبو العلاء بين طياتها كثيرًا من الأمثال والإشارات التاريخية والأدبية، حتى ليضطر أثناء ذلك إلى كثير من الاستطراد في كتاباته، بل لقد اضطر إلى شيء أهم من ذلك لم نتعوده من قبل، وهو شرحه لكثير من آثاره النثرية، وما من شك في أنه عمد إلى هذا الشرح؛ لأنه يعرف أن آثاره لا تفهم إلا مع التفسير البين لكثرة ما يحشد فيها من ألفاظ عويصة.

ومهما يكن، فإن اللغة هي أهم الجوانب التي استمد منها أبو العلاء أكثر عقده في صناعة نثره، وقد أضاف إليها عقدًا أخرى اتصل بها من كثرة الأمثال والإشارات التاريخية، والاستشهاد بالشعر الغريب خاصة، وإذا نظرت بعد ذلك في سجعه برسالة الغفران، وجدته يلتزم في أكثر جوانبه أن تكون نهاية السجعة لا حرفًا بل حرفين أو أكثر، كما يلتزم -غالبًا- الجناس في عباراته، ولكنا نحن إزاء استخدامه لهذا اللون من ألوان البديع، أنه فارق بعض ألوانه البهيجة التي كنا نعرفها عند أصحاب مذهب التصنيع، وما ذلك إلا؛ لأن أبا العلاء يعتمد في جناسه كثيرًا على الإغراب في الألفاظ، ومن ثم كنا نشعر إزاء كثير من جناساته، أنها جناسات لغوية أكثر منها فنية، فهي إلى اللغة والإغراب اللغوي أقرب منها إلى الفن الخالص، والحق أنا أبا العلاء عمد في فنه إلى التعقيد من حيث هو، ولذلك إذا ذهبنا إلى أنه زعيم مذهب التصنع لعصره، لم نكن مبالغين، ولا مغالين.

<<  <   >  >>