للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢- الخطابة في صدر الإسلام:

الرسول صلى الله عليه وسلم أخطب العرب قاطبة، وقد كان يخطب في قريش كثيرا يدعوها إلى دينه الحنيف١، والدخول في طاعة الله ومحبته، ولما هاجر إلى المدينة أصبحت الخطابة فريضة مكتوبة في صلاة الجمعة والعيدين. وبذلك عرف العرب ضربا منظما من الخطابة الدينية لم يكونوا يعرفونه في الجاهلية، إذ كانت خطابتهم -كما أسلفنا- اجتماعية، وكانت تدور غالبا على المنافرات والمفاخرات، وقد دعا الإسلام إلى نبذ التفاخر، والتكاثر بالأحساب والإنسان، ومن ثم اختفى من حياتهم هذا اللون من الخطابة.

وتحتفظ كتب الحديث الصحيحة٢ بتقاليد الرسول صلوات الله عليه في خطابته سواء في صلاة الجمعة، أو صلاة العيدين، إذ كان يخطب في الصلاتين خطبتين يجلس بينهما، وكانتا تدوران على تبيين ما شرع الله لعبادة في شئون دينهم ودنياهم، وما ينبغي أن يسود مجتمعهم من مثالية خلقية رفيعة، ومن روابط اجتماعية وثيقة، وبجانب ذلك كان الرسول يخطب في الأحداث، وعند المناسبات. ومن المحقق أنه خلف تراثا ضخما من الخطب، غير أن ما احتفظت به كتب الأدب والتاريخ من ذلك قليل، ولا ترجع قلته إلى قصر خطبه، فقد كان يطيل خطبه أحيانا، وفي بعض المناسبات إلى ساعات٣ يعظ الناس ويدعوهم إلى التفكر في الكون، وخالقه، ومدبره. وأكبر الظن أن خطبة أصابها ما أصاب خطب الجاهلية، فإنها لم تدون لحينها، وبعد العهد بين عصرها وعصر تدوينها، ومع ذلك فقد احتفظت ذاكرة الرواة ببقايا منها تحمل لنا خصائصها، من ذلك


١ السيرة الحلبية ١/ ٣٧٩.
٢ انظر كتاب الجمعة في صحيحي البخاري، ومسلم والتنبيه للشيرازي "طبعة ليدن" ص٤٠.
٣ إعجاز القرآن للباقلاني ص٦٤.

<<  <   >  >>