للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه خطب بعشر كلمات: حمد الله وأثنى عليه، ثم قال١:

"أيها الناس! إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، إن المؤمنين بين مخافتين: بين عاجل قد مضى لا يدري ما الله صانع به، وبين آجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه. فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشيبة قبل الكبرة، ومن الحياة قبل الموت. فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب، ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار".

والخطبة على قصرها توضح لنا كيف كان الرسول يعظ أصحابه، ويدفعهم دفعا إلى العمل الصالح، قبل أن يلبوا داعي الموت، فتبور تجارتهم، ويذهب هباء عملهم، وإنهم لمعروضون على ربهم، فموفون حسابهم، فأما من اتبع هدى الإسلام، فمصيره الجنة إلى وصفها القرآن الكريم فأسهب في وصفها، وأما من أعرض وتولى، ولم يذكر اسم ربه ولا صلى، ولا أخلص عمله لوجهه، فمصيره النار التي أطنب القرآن في بيان عذابها.

ولم تكن خطبه مواعظ فحسب، بل كانت أيضا تشريعا، وتنظيما لحياة هذه الأمة التي أخرجت للناس في خير مثال تأمر بالمعروف، وتتناهى عن المنكر، ويتعاون أفرادها على البر والخير مما فيه صلاحهم وصلاح مجتمعهم، ولعل خير خطبة تشريعية تصور كيف كان ينظم هذا المجتمع الروحي، ويرسي قواعده خطبته في حجة الوداع، وهي تمضي على هذا النحو٢:

"الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله. أوصيكم، عباد الله، بتقوى الله وأحثكم على طاعته، وأستفتح بالذي هو


١ انظر كتاب البيان والتبيين ١/ ٣٠٢.
٢ نفس المصدر ٢/ ٣١، وانظر كتاب الجمعة في صحيح البخاري، والسيرة لابن هشام "طبعة الحلبي" ٤/ ٢٥٠، والعقد الفريد "طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر" ٤/ ٥٩.

<<  <   >  >>