للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما علم، أني ألفت الكم، آمل رضا المسلم، وأتقي سخطه المؤلم، فهب لي ما أبلغ به رضاك من الكلم والمعاني الغراب"١، وتسيطر على الكتاب كله روح التقوى، والزهد، والخوف العظيم من ربه، وقد انتشرت هذه الروح في جميع صفحات الكتاب، كقوله في بعض الفصول: "إن كان الدمع يطفئ غضبك فهب لي عينين، كأنهما غمامتا شتى تبلان الصباح والمساء"٢، ويقول في مكان آخر: ليت أعظمي تحولت عيدان أراك يتفلفل بها المتعبدون لله بالعشي، والأبكار، وليت أدمي جعل منه ذات طراق يمسح عليها المسافرون في سبيل الله أوقات الصلوات، أو صنع منه شعيب يحمل فيها الماء، حتى تعد في الشنان الباليات، وليت شعري عشب عبث به ركاب الناسكين، على أصل بذلك إلى الفلاح٣، وانظر إليه يقول في موضوع آخر٤:

"لو نقلت مياه اللجج على منكبي في قداف، وأفرغته على مناكب الجبال وجررت كثبان الأرض، وصرائمها في جر أو مشآة، فألقيتها في الخضر الدائمات، حفدًا لله كنت أحد العجزة المقصرين٥، ولو أذن لي وأيدت، فابتنيت مراهص من الثرى الأسفل إلى الثريا وحضار، ومن الوتد المتخذ من عود، إلى ساحة وتد السعود٦، لم أؤد ما يوجبه جلال الله، فكيف وأنا أقصر الصلاة، وأداني بين الركعات".

وأنت تحس هنا بروح رجل مؤمن مبالغ في إيمانه يخاف ربه ويخشاه، وإنه لتيصور نفسه يأتي بالمعجزات في طاعة الله، فلا ترفعه هذه المعجزات -إن استطاع أن يقوم بها- عن الشعور بأنه أحد العجزة المقصرين، وإنه ليحس


١ الفصول والغايات "طبعة محمود زناتي" ١/ ٦٢.
٢ نفس المصدر ١/ ٢٥٩ شتى: من الشتاء تبلان: تسحان من الوبل، وهو المطر الغزير.
٣ نفس المصدر ١/ ٣٩٠. يتفلفل: يستاك. ذوات الطرق: النعال. الشعيب: القربة من أديمين.
٤ نفس المصدر ١/ ٥٩.
٥ القذاف: الجرة. الجر: الزبيل. المشآة: زبيل من أدم. الخضر: اللجج. الحفد: الخدمة.
٦ المراهص: المراتب. وتد السعود: سعد الأخبية: نجوم معروفة.

<<  <   >  >>