للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إحساسًا عميقًا بأنه مهما صنع من آيات، فلن يؤدي ما يوجبه جلال الله، وعلى هذا النحو يمضي أبو العلاء في كتابه يستشعر العجز، والضعف أمام ربه معددًا لنعمه ومآثره، مصورًا لإرادته وقدرته، وقد جعله هذا الجانب يقف عند طائفة من المستحيلات في وقائعنا المادية، فيظهر كيف أن قدرة الله التي تسع كل شيء، تستطيع أن تحولها من باب المستحيلات إلى باب الممكنات، كقوله في بعض فصوله١:

"يقدر ربنا أن يجعل الإنسان ينظر بقدمه، ويسمع الأصوات بيده، وتكون بنانه مجاري دمعه، ويجد الطعم بأذنه، ويشم الروائح بمنكبه، ويمشي إلى الغرض على هامته، وأن يقرن بين النير وسنير، حتى يريا كفرسي رهان، وينزل الوعل الزعل من النيق، ومجاوره السوذنيق٢، حتى يشد فيه الغرض، وتكرب عليه الأرض، وذلك من القدرة يسير، سبحانك ملك الملوك، وعظيم الضعفاء".

ونرى من ذلك أن الفصول، والغايات لم يقصد بها إلى إلحاد ولا إلى زندقة، ولا إلى معارضة للقرآن ومناقضة، ومن أين تأتيها هذا، وهي تنساق كلها في التمجيد والتحميد، والثناء على الله، ولعله من أجل ذلك قال ابن سنان الخفاجي:

إن العاقل إذا تأملها علم أنها بعيدة عن المعارضة، وقد يكون السبب في أن الناس واجهوا أبا العلاء بهذه التهمة، أنهم رأوه يسمى كتابه باسم "الفصول والغايات في محاذاة السور والآيات"، فظنوا أنه يقصد بذلك إلى المعارضة في الأسلوب، وهو إنما يقصد إلى أن هذه الفصول محاذية للقرآن من حيث ما فيها من تسبيح، وحمد وتمجيد وثناء على الله سبحانه وتعالى، وقد يكون من أسباب هذه التهمة، ما في الكتاب من بعض أقسام تشبه أقسام القرآن٣، كقوله في بعض فصوله٤:


١ الفصول والغايات ١/ ٣١.
٢ النير: جبل بأعلى نجد. سنير: جبل بين حمص وبعلبك. السوذنيق: الصقر أو الشاهين.
٣ معجم الأدباء ٣/ ١٤٠.
٤ الفصول والغايات ص٢٥٣.

<<  <   >  >>