للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طريفة، إذ يسأله: هل معك من جواز؟ فيقول: لا، فيقول رضوان: لا سبيل لك أن الدخول بغير جواز، ويرى ابن القارح إبراهيم بن محمد صلوات الله عليه، فيتشبث به وهو يدخل الجنة، فيجذبه معه، ويدخل ابن القارح الجنة، ويلتقي مرة أخرى بالشعراء ويحاورهم ويشترك معهم في مأدبة وغناء وقصف، ثم يركب بعض دواب الجنة، ويسير فيصل إلى مدائن غريبة، ويطلع فيرى طائفة من الجن، فيسألهم عن الأشعار التي تنسب في العربية إليهم، ثم يرخي من عنان دابته حتى يصل إلى أقصى الجنة، حيث يلتقي بالحطيئة والخنساء، وهي تنظر إلى أخيها صخر في الجحيم، وينظر كما تنظر الخنساء، فيجد إبليس وبشارًا، وبعض شعراء الجاهلية، ويحاورهم جميعًا ثم يعود، فيلتقي ببعض الحيات التي ظلمت في الدنيا، ثم كوفئت في الآخرة بدخول الفردوس، ويمر في جنة الرجاز، وأخيرًا يقبل على كأس من كؤوس الجنة، التي لا تنزف عقلًا.

وهذا هو القسم الأول من الرسالة، وهو يعطيها، لونًا مدرسيًا، إذ قصد فيه أبو العلاء -من خلال حوار ابن القارح مع الشعراء- أن يظهر علمه بأشعارهم، وما فيها من مسائل عويصة في لفظها ونحوها ووزنها، وينتقل من هذا القسم إلى القسم الثاني، وهو خاص بالرد على سؤال ابن القارح عن الزنادقة والزندقة، وتعرض في أثناء هذا القسم لكثير من النحل في عصره، ومن ثم كان هذا القسم في الرسالة ذا قيمة خاصة، على أن أهمية الرسالة إنما ترجع إلى القسم الأول منها، إذ قرنها الباحثون بسبه إلى "الكوميديا الإلهية" لدانتي١، محاولين النفوذ إلى بيان تأثره بها ومدى هذا التأثر، وهو تأثر تقوم عليه أدلة كثيرة، وبذلك لم يصنع أبو العلاء للعرب "كوميديا إلهية" فحسب، بل أثر بها أيضًا أثرًا عميقًا في الآداب العالمية، ولسنا نريد الآن أن نتحدث عن هذا الجانب في رسالته، إنما نريد أن نتحدث عنه صياغته فيها وطريقته في التعبير، ولعل من المهم أن نعرف أن أبا العلاء لم يجئ في هذه


١ انظر ترجمة أبي العلاء في دائرة المعارف الإسلامية.

<<  <   >  >>