للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرسالة بصياغة جديدة غير الصياغة التي رأيناها آنفًا، ونراه يعني فيها بالتزام ما لا يلزم في قرائن سجعه، كما يعني اللفظ الغريب، وإنه ليعني عناية خاصة بالجناس، ولكن دائمًا في ثنايا ألفاظه الغريبة، بل المهجورة أحيانًا، وهو يحشد مع ذلك كثيرًا من الإشارات التاريخية، واستمع إليه يصف أنهار الجنة، فيقول: "إنها الراح الدائمة، لا الذميمة ولا الذائمة"، ويستطرد من ذلك إلى وصف الشعراء للخمر، ثم يقول١:

"كم على تلك الأنهار من آنية زبرجد محفور، وياقوت خلق على خلق الفور "الظباء" من أصفر، وأحمر وأزرق، يخال إن لمس أحرق، كما قال الصنوبري:

تخليه ساطعًا وهجه ... فتأبى الدنو إلى وهجه

وفي تلك الأنهار أوزان على هيئة الطير السابحة، والغانية عن الماء السائحة، فمنها ما هو على صور الكراكي، وأخر تشاكل المكاكي، وعلى خلق طواويس وبط، فبعض في الجارية وبعض في الشط، ينبع من أفواهها شراب، كأنه من الرقة سراب، لوجرع جرعة منه الحكمي "أبو نواس" لحكم بأنه الفوز القدمي، وشهد له كل وصاف للخمر، من محدث في الزمن وعتيق في الأمر، أن أصناف الأشربة المنسوبة إلى الدار الفانية، كخمرعانة وأذرعات، وهي مظنة للنعات وغزة وبيت راس، والفلسطية ذوات الأحراس، وما جلب من بصرى في الوسوق، تبغى به المرابحة عند سوق، وما ذخره ابن بجرة بوج "الطائف"، واعتمد به أوقات الحج، قبل أن تحرم على الناس القهوات، وتحظر لخوف الله الشهوات، قال أبو ذؤيب:

ولو أن ما عند ابن بجرة عندها ... من الخمر لم تبلل لهاتي بناطل٢

وما اعتصر بصرخد، أو أرض شام، لكل ملك غير عبام "أحمق"،


١ رسالة الغفران "طبعة أمين هندية" ص١١.
٢ اللهاة: أقصى سقف الحلق. والناطل: الجرعة من الخمر.

<<  <   >  >>