للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما تردد ذكره من كميت بابل وصريفين، واتخذ للأشراف المنيفين، وما عمل من أجناس المسكرات، مفوقات للشارب، وموكرات "مثقلات"، كالجعة والبتع والمزر، والسكركة ذات الوزر١، وما ولد من النخيل، لكريم يغترف أو بخيل، وما صنع في أيام آدم وشيث، إلى يوم المبعث من معجل أو مكيث....

ويعارض تلك المدامة أنهار من عسل مصفى، ما كسبته النحل الغادية إلى الأنوار، ولا هو في موم "شمع" متوار، ولكن قال له العزيز القادر كن فكان، وبكرمه أعطى الإمكان، واهًا لذلك عسلًا لم يكن بالنار مبسلًا، لو جعله الشارب المحرور غذاءه طول الأبد، ما قدر له عارض موم "الجدري" ولا لبس ثوب المحموم ... فليت شعري عن النمر بن تولب العكلي، هو يقدر له أن يذوق ذلك الأري، فيعلم أن شهد الفانية إذا قيس إليه وجد يشاكه الشرى٢، وهو لما وصف أم حصن، وما رزقته في الدعة والمن، ذكر حواري بسمن وعسلًا مصفى، فرحمه الخالق متوفى، فقد كان أسلم وروى حديثًا منفردًا، وحسبنا بن للكلم مسردًا، قال المسكين النمر:

ألم بصحبتي وهم هجوع ... خيال طارق من أم حصن

لها من تشتهي عسلًا مصفى ... إذا شاءت وحواري بسمن

وهو أدام الهل تمكينه يعرف حكاية خلف الأحمر مع أصاحبه في هذين البيتين، ومعناها أنه قال لهم: لو كان موضع أم حصن أم حفص ما كان يقول في البيت الثاني؟ فسكتوا، فقال حواري بلمص يعني الفالوذج".

وهنا نجد أبا العلاء يغير قافية البيت الأول من أم حصن إلى أم جزء، ويأتي بقافية في البيت الثاني على نسقها، ثم يستمر فيصنع ذلك بكلمات أخرى على سائر حروف المعجم عدا حرف الطاء، وما من شك في أن هذا التصنيع يدل على حال هي حال الاستطراد، وهي تعم في الرسالة كلها، وكان يريد


١ أنواع خمور.
٢ الشرى: الحنظل، والأرى: العسل.

<<  <   >  >>