للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بها جيد أعماله، واقرأ هذه الرسالة التي كتب بها إلى عبد السلام بن الحسين، صاحب خزانة الكتب ببغداد بعد رجوعه منها١:

"أطال الهل بقاء سيدي الشيخ إلى أن تنقل عريًا، وتنطق العرب بمكبر الثريا٢، وأدام عزه إلى أن يصبح إراب٣، وهو باز في الجو أو غراب، كم أكتب فلا يصل، وأنا من ذلك متنصل:

يا حبذا جبل الريان من جبل ... وحبذا ساكن الريان من كانا

وحبذا نفحات من يمانية ... تأتيك من قبل الريان أحيانا

ما عنيت بالريان، إلا منزله حيث كان، ولا بساكنه، إلا شخصه حيث حل من أماكنه ... وأسفى لفراق سيدي الشيخ -أدام الله عزه- أسف ساق حر، ساقه الطرب إلى الحر، توارى بالوريقة، من حر الوديقة، كأنه قينة وراء ستر، أو كبير حجب من الهتر، في عنقه طوق، كرب يفصمه الشوق، لو قدر لانتزعه باليد من المقلد، أسفًا على إلف غادره للكمد٤.. أي حلف أرسله فهلك نوح٥، فالحمائم عليه تنوح، يسمعك بالفناء، أصناف الغناء، ويظهر في الغصون، خبي الوجد المصون، إن سلك طريقة الغريض، ترك المشتاق بالجريض، ويجيء بالبدي؛ إن جاء بلحن معبدي٦ يدعو نوادب، إلى الكلف أو ادب، ويحهن ثاكلات، لسن على الأول بمتكلات، شجب قعيدهن إثر ود٧، فورثن بكاءه جدًا بعد جد، عمرك لقد أسفرن، والعيون


١ رسائل أبي العلاء "طبع مرجليوث" ص٤٦.
٢ كلمة عريا: كلمة غامضة، ولعلها اسم موضع أما مكبر الثريا، فيلاحظ أن العرب لم تنطق بالثريا إلا مصغرة.
٣ إراب نبع من الصحراء انظر معجم البلدان لياقوت "طبع مطبعة السعادة" ١/ ١٦٧.
٤ ساق حر: ذكر الحمام. الوريقة: الشجرة المورقة. الوديقة. الهاجرة الهتر: ما يهذي به العجوز.
٥ يريد أي أليف قديم ذهب من عهد نوح إذ أرسله فهلك.
٦ الغريض ومعبد: مغنيان مشهوران. والجريض: الغصة وفي أمثالهم: حال الجريض دون القريض يضرب الأمر حال دونه عائق والبدي: المبتكر.
٧ صنم من أصنام العرب في الجالية، وقد ذكر في القرآن الكريم، شجب: صاح وهو يريد أن أباهن صاح على ود.

<<  <   >  >>