للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتارة يصنع لنفسه نموذجًا من ذوق أصحاب الصنعة، وتارة يعدل عن ذلك إلى ذوق أصحاب التصنيع، وتارة ثالثة يعدل إلى ذو أصحاب التصنع، وقد فتنت كثرتهم بالسجع، ولكنها لم تفتن بالبديع، الذي كان يصحبه عند أصحاب التصنيع، بل فتنت -إلى حد ما- بالغريب الذي رأيناه عند أصحاب التصنع، كما فتنوا بالأمثال، وربما كان لكتاب الأمالي للقالي أثر مهم في ذلك، فقد بناه صاحبه على هذين الجانبين، ونحن نقف عند أهم كتاب ظهر في العصر الأموي، لنرى ما وصل إليه النثر الأندلسي في هذا العصر من رقي وازدهار، وهو ابن شهيد الكاتب المشهور.

ابن شُهَيْد:

هو، أحمد بن عبد الملك ... بن شهيد الأشجعي القوطي، ولد بقرطبة عام ٣٨٢هـ، وتوفي عام ٤٢٦هـ١، وهو من بيت أدب ومجد، كان جده وزير عبد الرحمن الناصر٢ وأديبًا من أكبر الأدباء في عصره، وورث عنه حفيده أدبه، كما ورث عنه صلته الحسنة بالأمويين، وإن لم يستوزروه لثقل كان في سمعه. ويظهر أنه ورث عن آبائه مالًا كثيرًا بعثره في اللهو، والخلاعة حتى ليقول أبو حيان: "إن البطالة غلبت عليه، فلم يحفل في آثارهم بضياع دين، ولا مروءة"٣. وهذا الشخص المترف الذي ساق حياته في اللهو، والخلاعة كان مثقفًا ثقافة واسعة بمعارف عصره، فقد ذكر في إحدى رسائله أنه درس ضروب العلم المختلفة من أدب، وخبر وفقه وطب وصنعة وحكمة٤، ويقول ياقوت: "كان له من علم الطب نصيب وافر"٥. على أن الجانب الذي تميز به، إنما هو جانب الأدب، فقد كان شاعرًا كبيرًا كما كان كاتبًا كبيرًا أيضًا، ويدل ما روي عنه من آثار أن نثره كان أكبر من شعره، وقد شهد له النقاد


١ انظر ترجمته في المغرب "طبع دار المعارف"، وما بهامشها من مراجع ١/ ٧٨.
٢ نفح الطيب ١/ ١٧٩.
٣ الذخيرة ١/ ١٦١.
٤ الذخيرة ١/ ١٨٦.
٥ معجم الأدباء ٣/ ٣٢٣.

<<  <   >  >>