ولكنها لم تستطع أن تتقدم في الحركة الأدبية، إذ استعلى الفقهاء أول الأمر في الحكومة، وأصبح الحكام يتخذون منهم كتابهم، فطبعوا النثر بطابعهم العلمي الجامد، وكانوا يسجعون في كتابتهم، ويحلون سجعهم بالتصنع لبعض المصطلحات العلمية، التي عرفوها في دراستهم، وهم من هذه الوجهة أقرب إلى ذوق أصحاب التصنع في المشرق من كتاب عصر ملوك الطوائف، ولعل مما يتصل بذلك أنهم تصنعوا في كتابتهم للبديع، وما يتصل به من طباق وجناس، وأخذوا يعممون السجع في الكتابة التاريخية، وخاصة تلك التي تتصل بالترجمة للأدباء، على نحو ما نجد في "الذخيرة" لابن بسام و"قلائد العقيان" و"مطمح الأنفس" لابن خاقان، وقد جنح لسان الدين بن الخطيب، إلى السجع في بعض جوانب من كتبه، وكذلك صنع المقري في "نفح الطيب" و"أزهار الرياض"، وكل هذه الأعمال يحس الإنسان فيها بضروب مختلفة من التلفيق، والتصنع واللف والدوران حول المعاني، والصور التي يجترها الأدباء اجترارًا، وقد سرت حينئذ ظاهرة مهمة، وهي التعبير بالأساليب المحفوظة، التي لا تفصح عن فكرة محدودة، وارجع إلى الذخيرة أو إلى مطمح الأنفس إلى قلائد العقيان، فسترى هناك مقدمات يقدم بها الأدباء لا تعبر عن معان واضحة، وإنما تعبر عن صور جامدة متبلورة، وهذا هو معنى ما نقوله من جمود النثر الأندلسي، وابحث ما شئت في هذه العصور، فلن تجد جديدًا ولا ما يشبه الجديد، إنما تجد أدبًا مكررًا معادًا، قد كررت أساليبه وأعيدت عباراته مئات المرات بل آلاف المرات، ولا جديد فيه إلا ما يتصنع له الكاتب من مصطلح علمي، أو لون بديعي، أو إشارة إلى مثل، أو استخدام لغريب، أو نحو ذلك مما كان يعد آية في هذه العصور على بلاغة الكاتب، ومهارتها الفنية، ونحن نقف قليلًا عند أهم كاتب ظهر في الأندلس لهذه العهود، ونقصد لسان الدين بن الخطيب لتنكشف لنا صورة الكتابة الفنية حينئذ انكشافًا تامًا.