للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما من حيث العقل، وما يصل به من الحركات العلمية، فإن مصر شهدت في العصر الفاطمي نهضة علمية واسعة، إذ شجع الفاطميون على الدراسة والثقافة، وأكبر الدلالة على ذلك، أنهم عملوا على تأسيس أكبر جامعة في الشرق، وهي جامعة الأزهر، ذلك المسجد الذي بناه جوهر الصقلي، وسماه بالأزهر تيمنًا باسم فاطمة الزهراء، ويرجع الفضل في تحويل هذا المسجد إلى دار كبيرة للدرس، والتثقيف إلى وزير الفاطميين، الأول يعقوب بن كلس، فهو الذي حوله إلى جامعة تدرس فيها العلوم الدينية والمدنية١، وكان بيته يعتبر ناديًا "صالونًا" كبيرًا في عصره، فقد "رتب لنفسه مجلسًا في كل ليلة جمعة، يقرأ فيه مصنفاته على الناس، ويحضره القضاء، والفقهاء والقراء والنحاة ... وأصحاب الحديث، فإذا فرغ من مجلسه قام الشعراء ينشدونه المدائح، وكان في داره قوم يكتبون القرآن الكريم، وآخرون يكتبون كتب الحديث، والفقه، والأدب حتى الطب"٢، وتبع الوزارء يعقوب بن كلس، يعنون بتشجيع الحركة العلمية، وبني الحاكم دارًا عظيمة للكتب سماها دار العلم "وحمل إليها الكتب من خزائن القصور المعمورة، ودخل سائر الناس إليها يقرءون، وينسخون وأقيم لها خزانون وبوابون، ورتب فيها قوم يدرسون للناس العلوم"٣.

ولعل من الطريف أن الفاطميين -مع أنهم كانوا مقيدين بنحلة خاصة، فيها تحجر عقلي واسع- كانوا في الوقت نفسه يدعون لدراسة الفلسفة، والتعمق فيها، حتى ليقول المقريزي: "إن من جملة المعرفة عندهم أن الفلاسفة أنبياء حكمة الخاصة"٤، ولعل سبب دعوتهم إلى التفلسف، أنهم كانوا يؤولون الديانات والشرائع تأويلًا يؤدي إلى تبديلها، فاحتاجوا إلى اللسان الجدل المزود بالفسلفة حتى يحسن ذلك، ومهما يكن، فإن مصر ظفرت في العصر الفاطمي نهضة عليمة واسعة، ولعل مما يدل على ذلك ما رواه المقدسي، الذي رواها في أواخر


١ Margoliuth Cairo Jerusalem and Damascus, p. ٤٠ط
٢ وفيات الأعيان ٢/ ٣٣٤.
٣ خطط المقريزي ١/ ٤٥٨.
٤ خطط المقريزي ١/ ٣٩٥.

<<  <   >  >>