للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الأسعد: بن مماني: "كان القاضي الفاضل دميم الخلقة، وكان له حدبة ظاهرة خلف ظهره وكان يسترها بالطيلسان، حتى لا تظهر للناس"١.

وهذا الرجل العليل القبيح بلغ من فن الكتابة، وتجويده ما لم يبلغه أحد في عصره، يقول العماد الأصبهاني في حقه: "رب القلم والبيان، واللسن واللسان، والقريحة الوقادة والبصيرة النقادة، والبديهة المعجزة، والبديعة المطرزة، والفضل الذي ما سمع في الأوائل، ممن لو عاش في زمانه لتعلق بغباره، أو جرى في مضماره، فهو كالشريعة المحمدية التي نسخت الشرائع، ورسخت بها الصنائع، يخترع الأفكار، ويفترع الأبكار، ويطلع الأنوار، ويبدع الأزهار"٢.

ويقول النويري: "إلى القاضي الفاضل انتهت صناعة الإنشاء ووقفت، وبفضله أقرت أبناء البيان واعترفت، من بحر علمه رويت ذوو الفضائل واغترفت، وأمام فضله ألقت البلاغة عصاها، وبين يديه استقرت به نواها، فهو كاتب الشرق والغرب في زمانه وعصره، وناشر ألوية الفضل في مصره وغيره مصره، ورافع علم البيان لا محالة، والفاضل بغير إطالة"٣، وقد أشاد به وبفنه كل من تعرضوا لترجمته، كما أشار كثير منهم -وعلى رأسهم العماد الأصبهاني- إلى أنه صاحب طريقة، أو كما يقول العماد: شريعة جديدة، ولكن ينبغي أن لا نظن من ذلك أن القاضي الفاضل ابتكر مذهبًا جديدًا، في تاريخ النثر العربي، إنما كل ما هناك أنه قلد أصحاب التصنع فأحسن التقليد، ومن المهم أن نعرف أن الكتاب في الأقالبيم المختلفة، منذ القرن السادس أخذوا يغمرون بذوق التصنع في الكثير الأكثر، وقلما تركوا هذا الذوق إلى ذوق التصنيع، وبدأت هذه المرجة في مصر لا بالقاضي الفاضل، ولكن بابن الشخباء الذي عرضنا له في العصر الفاطمي، والقاضي الفاضل نفسه حين كان يكتب في العصر الفاطمي، كان يكت بهذا الذوق، وانظر إليه يستهل رسالة كتب بها عن العاضد آخر الخلفاء الفاطميين٤:


١ بدائع الزهور لابن إياس "طبع بولاق" ١/ ٧٥.
٢ وفيات الأعيان ١/ ٢٨٤.
٣ نهاية الأرب "طبع دار الكتب" ٨/ ١.
٤ صبح الأعشى "طبع دار الكتب" ٧/ ٧٩.

<<  <   >  >>