العثمانيون، وأخرجوهم من عز إلى ذل، لا من حيث السياسة فقط، بل أيضًا من حيث العلم والفن؛ إذ أخذ سليم الأول معه كثيرًا من العلماء والأدباء والمهندسين، وأصحاب الحرف وأدوات الترف١، ولماذا يبقى هؤلاء في مصر؟ لقد انتهى عصر المماليك، ولم تعد هناك حاجة ولا لصناعة، فليذهب أربابهما إلى القسطنطينية، وليذهب معهم العلماء ورجال الفكر، ولتذهب الكتب والمجلدات، التي تعتز بها مصر أيضًا، حتى تفقد مصر كل ما لها من سيادة عقلية، وفينة بجانب ما فقدته من سيادتها السياسية.
لم تعد مصر بلدًا عظيمًا، كما كان شأنها في عصر المماليك، إذ كانت بها الخلافة، وكانت لها السيادة على جيرانها، وكان لها في داخلها نشاط عقلي وفني واسع، أما في هذا العصر فقد أصبحت ولاية عثمانية، يقيم فيها وال تركي، وهذا الوالي له ديوان، ولكن اللغة الرسمية في هذا الديون هي التركية، التي يتخاطبون بها مع الباب العالي، ومعنى ذلك أن الدواوين التي كانت تخرج كبار الكتاب في العصور السابقة قد أغلقت أبوابها، فلم يعد هناك مجال، لأن يظهر مثل ابن الشخباء، أو القاضي الفاضل، أو محيي الدين بن عبد الظاهر.
واقرأ في الآثار الكتابية أثناء العصر العثماني، فستجد هذه الآثار أضعف، وأقل من أن تقرن إلى أي عصر من العصور السابقة، وبون بعيد جدًا بين كتاب مثل "بدائع الزهور" في التاريخ، وكتاب آخر مماثل له في عصر المماليك، فأنت لا تجد عند المقريزي، ولا ابن تغرين بردي ركاكة، ولا أخطاء ولا أخرى لغوية، كما لا تجد ألفاظًا تركية، أما عند ابن إياس، فإنك تجد ضعف التأليف عامة، فالأسلوب واه، والأخطاء النحوية كثيرة والألفاظ التركية منتشرة.
وإذا تركت هذا الجانب من الكتابة التاريخية إلى الكتابة الفنية، وجدتها تلفيقًا خالصًا من أساليب السابقين، وهو تلفيق لبس فيه جديد إلا التصنع الشديد لألوان البديع، ومصطلحات العلوم، وقد كانت هذه الأشياء توجد في عصر