للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتخلص منه بكلام لطيف١. وممن وفد على معاوية روح٢ بن زنباع، وصحار العبدي، ويروى أن معاوية قال له: ما هذا الكلام الذي يظهر منك؟ قال: شيء تجيش به صدورنا، فتقذفه على ألسنتنا٣، ومن الوافدين عليه سحبان وائل، وقد اشتهرت له خطبة خطب بها بين يديه، وكانت العرب تسميها الشوهاء من حسنها٤، ومنهم الأحنف بن قيس سيد تميم، ومما نطق به في حضرته، معبرًا عن شكاة لقومه٥:

"إن دافة دفت٦، ونازلة نزلت، ونائبة نابت، ونابتة نبتت٧، كلهم به حاجة إلى معروف أمير المؤمنين وبره، فقال معاوية: حسبك يا أبا بحر، قد كفيت الشاهد والغائب".

ولما فكر معاوية في جعل ابنه زيد وليا لعهده استقدم وفود العرب من الأمصار والبادية، فكانوا يخطبون بين يديه منوهين بيزيد، ومبايعين له، سياسة حكيمة منه، حتى يبرم الأمر من بعده لابنه٨، ولما توفي وجلس ابنه يزيد مكانه دخل عليه عطاء بن أبي صيفي الثقفي، فخطب بين يديه بقوله٩:

"يا أمير المؤمنين أصبحت قد رزئت خليفة الله، وأعطيت خلافة الله، وقد قضى معاوية نحبه، فغفر الله ذنبه، وقد أعطيت بعده الرياسة، ووليت السياسة، فاحتسب عند الله أعظم الرزية، واشكره على أفضل العطية".

وكان عبد الملك يجلس للوفود وخطبائها، وممن وفد عليه سعيد بن عمرو بن


١ البيان والتبيين ١/ ٣٥٤-٣٥٥.
٢ نفس المصدر ١/ ٣٥٨.
٣ البيان والتبيين ١/ ٩٦، وقارن ٤/ ٤٦ والعقد الفريد ٤/ ٣١.
٤ نفس المصدر ١/ ٣٤٨، وانظر زهر الآداب ٤/ ٣٣.
٥ البيان والتبيين ٢/ ٨٨.
٦ دافة دفت: نازلة شديدة نزلت فاستأصلت ما بأيديهم، ويمكن أن يكون ذلك استعارة لفقراء البادية الذين أجدبوا ونزلوا بهم.
٧ النابتة هنا: الصغار الناشئون، أما النائية، فيمكن أن يراد بهم الأضياف ينوبون القوم، وينزلون بهم.
٨ البيان والتبيين ١/ ٣٠٠، وانظر العقد الفريد ٤/ ٣٦٩ حيث روى طرفا من
تلك الخطب.
٩ البيان والتبيين ٢/ ١٩١، وقارن بزهر الآداب ١/ ٤٩.

<<  <   >  >>