الخوارج يكفرونه، بينما كان الحسن يدعوه مؤمنا فاسقا، وكان واصل يرى أنه في منزلة بين المنزلتين، وتناظر هو وعمرو بن عبيد في تلك المشكلة، واستطاع أن يقنعه بوجهة نظره.
ومن يرجع إلى تلك المناظرة يلاحظ أنها تبدو في أولها تطبيقا لأشكال القياس المنطقي، وهي كذلك في أثنائها وفي خاتمتها تستعيت بالمنطق، ومما لا ريب فيه أن نفس الفكرة التي انتهى إليها واصل، وهي أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين منزلتي المؤمن، والكافر فكرة دقيقة، لا يصل إليها إلا عقل دعم بالثقافة، وتعود النظر العميق، والنفوذ إلى دقائق الأفكار والمعاني.
وطبيعي أن نجد الجاحظ مفتونا أمام قدرة هؤلاء الخطباء الدينيين، فقد أشاد بهم في كل موضع من كتابه البيان والتبيين، وتحدث عن تصرفهم في الألفاظ، والأساليب وكيف صفوها، وروقوها ونخلوها نخلا، حتى لا ينطقوا إلا بلب اللب، وإلا بما عليه حلاوة ورشاقة، وسهولة وعذوبه.