للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المثالب١. وكلما مضينا في العصر اتسعت التأثرات، بما لدى الأجانب، فقد كان العرب ناشرين للدين الإسلامي، وقد اتصلوا بيهود ومجوس ونصارى، وحدثت بينهم وبين هؤلاء جميعا أحاديث ومناقشات، ومحاورات تسرب إليهم في أثنائها كثرير من الفكر الأجنبي، وخاصة من شعب الفكر اليوناني في الفلسفة والمنطق، وقد أخذوا يقفون على طرق استغلال الأرض، وغير ذلك من مسائل الحياة العملية، وعاشوا في القصور، وقام الأجانب على خدمتهم، وتهيئة حياتهم المادية، واطلعوا على نظم التعليم عندهم، وما أنشأوا من مدارس، وطلب خالد بن يزيد بن معاوية أن تترجم كتب في الكيمياء٢، وأمر عمر بن عبد العزيز بترجمه كتيب في الطب٣.

ومعنى ذلك كله أن الكتابة نمت في العصر الأموي نموا واسعا، فقد عرف العرب فكرة الكتاب، وأنه صحف يجمع بعضها إلى بعض في موضوع من الموضوعات، وقد ألفوا فعلا كتبا كثيرة، بعضها ديني خالص يتصل بمسائل الفقه والتشريع الإسلامي، بمن ذلك أننا نجد الرواة ينسبون إلى هشام بن عروة بن الزبير أنه قال: "أحرق أبي يوم الحرة كتب فقه كانت له"٤، ونعرف أنه موقعة الحرة كانت لعهد يزيد بن معاوية، وقد ترك زيد بن علي مؤسس مذهب اليزيدية مختصرًا في الفقه٥، ومر بنا أن المحدثين طوال القرن الأول للهجرة كانوا يختلفون فيما بينهم، منهم من يكتفي برواية الحديث، ومنهم من يدونه، حتى إذا وصلنا إلى رأس المائة أمر عمر بن عبد العزيز بتدوينه تدوينا عاما، ومن أوائل من بادروا جمعه ابن شهاب الزهري٦ المتوفى سنة ١٢٤ للهجرة.

وقد نشطت الكتابة التاريخية، فكتب المؤرخون في معازي الرسول عليه


١ الفهرست لابن النديم "طبعة مصر" ص١٣١.
٢ الفهرست ص٣٣٨.
٣ تاريخ الحكماء "مختصر الزوزني" طبع ليبزج ص٣٢٤.
٤ طبقات ابن سعد ٥/ ١٣٣.
٥ راجع كلمة فقه في دائرة المعارف الإسلامية.
٦ الزرقاني على موطأ "طبع المطبعة الخيرية" ١/ ١٠.

<<  <   >  >>