للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعفا عنه توفيق، وأعاد إليه راتبه، وقام بعد ذلك بعدة رحلات إلى الحجاز ولبنان، ولقي فيهما كل ترحاب وإجلال لمكانته الأدبية، ولما رأى فيه أهلها من سعة علم وعظيم فضل وحسن حديث.

وفي سنة ١٨٨٨ مَثَّلَ مصر في مؤتمر المستشرقين باستكهلم عاصة السويد, وصحبه نجله أمين باشا فكري، وقام بسياحة عظيمة شهد فيها معظم عواصم أوربا, ولما عاد عكف على تدوين رحلته، ووصف ما شاهد من المناظر في أوربا، وما رأى من آثار الغرب، وكيف استطاع العقل البشريّ أن يسخر الطبيعة ومواردها لخدمة الإنسان، غير أن المنية لم تمهله, فقضى بعد عودته بزمنٍ وجيزٍ، وأتم نجله أمين كتابة الرحلة, وسجلها في كتاب أسماه: "إرشاد الألبا إلى محاسن أوربا" في سنة ١٨٩٢, هذا وقد توفي عبد الله فكري سنة ١٣٠٧هـ -١٨٨٩م.

ونرى من حياته التي سردنا تاريخها موجزًا، أنه ديوانيّ النشأة والمربى والعمل، فلا بدع إذا تجلّى أثر عبد الله فكري في الكتابة الديوانية، ولما كنا في صدد ذكر الشعراء الذين ظهروا في عصر إسماعيل, والمدارس التي ينتمون إليها، وقدَّمنا أن عبد الله فكري يمثل إحدى هذه المدارس التقليدية، وكان حريًّا بنا أن نذكر نماذج من شعره، على أنه يمثل بكتابته تلك المدرسة التي تظهر فيها شخصية الكاتب والأديب واضحةً أكثر مما يمثلها بشعره، بل إن شعره لينتمي إلى مدرسة علي أبي النصر أو الساعاتي، وذلك لأن عبد الله فكري تفوق في نثره تفوقًا باهرًا, وكان أكثر منه شاعرًا.

كان يمثل في شعره مدرسة الصنعة لا مدرسة الطبيعة، يؤرخ لكل مناسبة، ويشطر يقول الألغاز والأحاجي، ويقول كما يقول الندماء في وصف الآنية ومجالس الأنس والأزهار وغير ذلك، ويكثر من المحسنات ينتزعها انتزاعًا، ويحشرها حشرًا شأن المدارس التقليدية، وقلما انطلق على سجيته، وترك نفسه لطبيعتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>