للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشعر زين المرء ما لم يكن ... وسيلة للمدح والذام

قد طالما عزَّ به معشر ... وربما أزرى بأقوام

فاجعله ما ئشت من حكمة ... أوعظة أو حسب نام

واهتف به من قبل تسريحه ... فالسهم منسوب إلى الرامي

وقدعرف فيما عرف من أدب العرب منزلةَ الشعرِ وعبَّر عنها بعد بقوله:

صحائف لم تزل تتلى بألسنة ... للدهر في كل ناد منه معمور

يزهى بها كل سام في أرومته ... ويتقي البأس منها كل مغمور

فكم بها رسخت أركان مملكة ... وكم بها خمدت أنفاس مغرور

والشعر ديوان أخلاق يلوح به ... ما خطه الفكر من بحث وتنقير

كم شاد مجدًا، وكم أودى بمنقبة ... رفعًا وخفضًا بمرجوٍّ ومحذور

هكذا رأى البارودي الشعر، وما كان له أن يعرض عنه، ولو حاول ما استطاع وفيه طبع شاعر، وقد ملك أداته اللغوية المعبرة.

تكلمت كالماضين قبلي بما جرت ... به عادة الإنسان أن يتكلما

فلا يعتمدني بالإساءة غافل ... فلابد لابن الأيك أن يترنما

فهو مطبوع على قول الشعر مثله في ذلك مثل الهزار أو البلبل، ينطق كلاهما بالغناء فطرةً وجبِّلَّةً، ولكن مصر ضاقت به, أو ضاق بها؛ حيث لم يجد غنية لدى الدولة تحقق آماله، فسافر إلى الآستانة مقر الخلافة، والتحق بوزارة الخارجية، وهناك تعلم التركية والفارسية وتعلم آدابهما, وحفظ كثيرًا من أشعارهما، ودعته سليقته الشاعرة فقال بالتركية وبالفارسية كما قال بالعربية, ومع ذلك لم يهجر لسانه الأول, ولما سافر إسماعيل إلى الآستانة بعد أن تولى أريكة مصر سنة ١٨٦٣؛ ليقدِّمَ أي: الشكر على توليته, ألحق البارودي بحاشيته، ورأى فيه ما لم يره في غيره, فرجع به إلى مصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>