للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"فهل خفي عن تلك الصحف أن من شفقة الصياد على الطير إلقاءه الحب بين يديها؟ أولم تعلم أن القائل بهمجية المصريين، المعتقد بانحطاط مدراكهم، لا يطعمهم هذا الفتات إلّا ليسهل على الإنجليز هضم قوتهم والتهام ثروتهم!

كلَّا! إن الجرائد المصرية لا تجهل حقيقة الأمر، ولكنها لا تستطيع التصدي، علمًا بأن اللصَّ العازم على سرقة الحقوق الوطنية يكره النور، فإذ حاولت الجرائد إظهاره سارع إلى إطفائه بتعطيلها وإلغائها.

يا أهل مصر: إني محدثكم حديثًا غريبًا, إذا كان امراؤكم خياركم، وأغنياؤكم أسخياءكم, وأموركم شورى بينكم، فظهر الأرض خير لكم من بطانها، وإذا كان أمراؤكم شراركم, وأغنياؤكم بخلاءكم، وأموركم إلى نسائكم, فبطن الأرض خير من ظهرها".

٤- السعي في إصلاح المفاسد الاجتماعية، فالفقر الذي يذوي الشباب الغض, والإهاب النضر, ويذل النفس الأبيّة، ويطوح بالأنفة والكبرياء بعيدًا حين تصرخ المعدة الجائعة صرخةً تنهار على أثرها النفس المتجلدة, قد جثم على صدور كثير من أبناء الشرق، يكدون ويكدحون لفئةٍ قليلةٍ من الأغنياء، يبعثرون على موائد الفساد ما جمع هؤلاء المساكين في حمارة القيظ وصبارة الشتاء، وهم يبيتون على الطوى، وأبناؤهم يتضاغون من المسبغة والفاقة, ويتضورون من الجوع والعُري، ويتلوون من السقام والأوصاب، والجهل الذي بنى أعشاشه في رءوس الجمهرة من أبناء الشرق، وباض وفرخ وملأ الدينا خرافات وخزعبلات, يجب أن يحارب, وتفتح لأبناء الأمة مغاليق الأمور حتى يعيشوا كالأناسي.

إن الفلاح المسكين كان نهبًا للمرابين والمستغلين يأكلون ظلمًا وعدوانًا ما سعى لتحصيله بكدِّ النهار وسهر الليل. استمع لعبد الله نديم يصور هذا الجهل بالحساب، ووقوع هذه الفلاح البائس في أحابيل شياطين الفرنجة من المرابين والأفاقين، وكيف يضاعفون ديونه ظلمًا، وينهبون ماله جهرًا، وهو لا يدري من الأمر شيئًا, كأنه سائمة ترعى, وقد ساق عبد الله نديم هذه المحاورة بين الفلاح

<<  <  ج: ص:  >  >>