للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمرابي باللغة العامية حتى يبين للفلاحين خداع هذا اللص الكبير، وسذاجة هذا الجاهل الغر "ذهب المزراع إلى المرابي ليقترض مائة جنيهٍ بفائدة قدرها عشرون في المائة، فقال المرابي: حسن! سأخصم من المائة عشرين فتستحق ثمانين، وأضيف الفائدة وقدرها عشرون فيكون الدين مائة وعشرين"، ووافق الفلاح لجهله بالحساب، وبذلك أخذ ثمانين جنيهًا ليسددها مائة وعشرين، وحين السداد جاء بكل ما أنتجته أرضه فاشتراه المرابي بأبخس الأثمان، وخرج الفلاح بعد بيع محصوله الكبير ميدينًا بمبلغ مائتي جنيه, في حين أن المرابي لو قدر المحصول كما يجب لسدد الفلاح دينه، ودفع له المرابي فوق ذلك مائة جنيه، ولكنه الجهل والغش.

ويحارب المصلحون زبرج المدنية الخلاب، ولأولاءها الخداع، والفتنة التي أوقعت المصريين في شباكها، فراحوا يلتقطون في نهم بالغٍ نفايات الحضارة الأوروبية العفنة, يحسبونها تمدينًا، ونسوا دينهم وأخلاقهم الكريمة وعاداتهم الطيبة.

لقد جهد المصلحون والمفكرون أن ينيروا للأمة سبيلها, ويبصروها عاقبة السير في ظلماء الجهالة، ويحثون على التعليم, بل يشيدون المدارس، ويخطبون في كل مكانٍ علَّ الأمة تستجيب لندائهم، فتمرق من شرك الجهل، وأحابيل الضلالة.

ونمت في الشعوب الجاهلة التي ظلت قرونًا تخضع لسيطرة العتاة الجبارين صفات رديئة كالنفاق، والرشوة، والكذب، والخداع، والتراخي في العمل.

إلى آخر هذا التثبت الشنيع من نقائص الأمم المغلوبة على أمرها، حتى ماتت فيها روح الكرامة والعزة، وكثير من المحامد التي لا تستطيع النمو في جوٍّ خانقٍ بعثير الظلم ودخانه؛ ولذلك عمد الكُتَّاب المفكرون في هذه الحقبة إلى التشنيع على هذا الرذائل وتبشيعها لدى أفراد الشعب كي يقلعوا عنها.

وهكذا امتد أفق الكتابة إلى جميع الأغراض السياسية والاجتماعية، وكانت الصحف خير معوانٍ بثَّ هذه الآراء الجريئة، والإرشادات النافعة، والنصائح الثمينة التي حركت الهمم, وأثارت العزائم، ومهدت الطريق لنضج الشعوب العربية والإسلامية.

<<  <  ج: ص:  >  >>