للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سهيل انعطف وانزل بساحة مغرم ... يراك بعين طول ليلتها عبرى

عسى يأخذ الأخبار منك عن الألى ... سيصلى بهم جمر الغضا ولك البشرى

ومن أمثلة النثر الأدبيّ كذلك ما كتبه السيد مصطفى نجيب١ يصف الحاكي "الفوتوغراف":

"مثال القوة الناطقة، من غير إرادة سابقة، يقتطف الألفاظ اقتطافًا، ويختطف الصوت اختطافًا، مطبعة الأصوات، ومرآة الكلمات، ينقل الكلام من ناحيةٍ إلى ناحيةٍ, نقل كلام عمر -رضي الله عنه- إلى سارية، وأشد من الصدى وفعله، وفي إعادة الصوت إلى أصله، كأنه الحرف في يد الطابع، والوتر في يد الضارب، والقصب من فم القاصب٢، يحفظ الكلام ولا يبديه، ومتى استعدته منه يعيده، من غير أن يبقي لفظًا في صدره، أو يكتم شيئًا من أمره، كأنما حفظ الوديعة في نفسه طبيعة، فلو تقدَّم به الوجود في مرتبة الزمن لما احتجنا في الأخبار إلى عنعنة، ولا في الدعاوي إلى بينة، بل كان يسمعنا كلام السيد المسيح في المهد؛ وصوت عازر من اللحد، وكانت استودعته الفلاسفة حكمتهم، وأنشدوه كلمتهم، فرأينا غرائب اليونان، وبدائع الرومان، وربما سمعنا خطب سحبان، وشعر سيدنا حسان بذلك اللسان، وأصبح وجود الإنسان غير محدود بزمنٍ من الأزمان.

لله دره من تلميذٍ يستوعب ما عند المعلم ويستخلصه في لحظة، معيدًا لقوله ناقلًا صوته ولفظه.

لقد وجدت مكان القول ذا سعة ... فإن وجدت لسانًا قائلًا فقل

نديم ليس في هفوة النديم، وسمير لا ينسب إليه تقصير، تسكته وتستعيده، وتذمه وتستجيده، وهو في كل هذه الأحوال، راضٍ بما يقال، لا يكلُّ من تحديث، ولا يمل من حديث، نمام كما ينم لك ينم عليك، وينقل لغيرك كما


١ كان كاتبًا إدرايًّا بديوان الخديو، ومنه تحول إلى وزارة الداخلية، وكان أديبًا عذب النثر, سهل الشعر, وله كتاب "حماة الإسلام", توفي سنة ١٨٩٩.
٢ القصب: المزمار، والقاصب هو الذي يزمر فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>