وبذلك أراد جمال الدين أن يسيطر على عقول العلماء في بيته، على أفئدة المتعلمة غنيها وفقيرها بآرائه وتعاليمه، ويدفعها في الطريق التي رسمها.
أثره بمصر:
١- أراد في درسه النظاميّ أن يعوّدَ الطلبة حرية البحث، ويطلعهم على آفاقٍ جديدةٍ من التفكير وفهم العالم، وأن يُوجِدَ شخصياتٍ تبحث وتنقد وتحكم، وألَّا تقف عند حدّ هذا النص بعد ذلك، فإذا هو واضح كل الوضوح, وعلى العكس من ذلك كانت طريقة الشيخ محمد عبده، إذ كان يقرأ النص أولًا، ثم يعلق عليه بعد ذلك.
٢- وأراد في مدرسته العامة أن يعلِّمَ الشعب كيف يسترد حرتيه المفقودة وكرامته المهدرة، وكيف يحاسب حكامه حسابًا عسيرًا على تصرافاتهم، وكيف يتنبه إلى دسائس المستعمرين الجشعين ونواياهم، وكيف يعيش هذا الشعب عيشةً تليق بالأناسي.
٣- وأراد في ميدان السياسة أن يغيِّرَ هذا الحكم المطلق الذي يستبد فيه الحاكم بأمته ويستهين بشعبه، ويتصرف في أموالهم وأرواحهم تصرُّفَ السيد في حر ماله وعبده، وأراد أن يشترك الشعب في حكم نفسه بنفسه، وأن ينوب عنه ممثلون نيابيون يَرْعَوْنَ مصالحه, ويسهرون على إسعاده.
وقد كان له في السياسة كذلك مقصدٌ أسمى من هذا، وعنه عَبَّرَ الشيخ محمد عبده بقوله:"إنه كان يسعى لإنهاض إحدى الدول الإسلامية من ضعفها وتنبيهها للقيام بشئونها، حتى تلحق بالدول القوية، فيعود للإسلام شأنه, وللدين الحنيف مجده، ويدخل في هذا تنكيس دولة بريطانيا في الأقطار الشرقية، وتقليص ظلها عن رؤوس الطوائف الإسلامية، وله في عداوة الإنجليز شئون يطول بيانها١".