للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤- وقد استعان على تحقيق هذه الأهداف -وإن لم تتحقق كلها, ولا سيما السياسية منها- بتكوين جماعةٍ من الكهول والشبان حبب إليهم الكتابة، ورسم لهم خطتها، وأوحى لهم بالمعاني الجديدة التي يكتبون فيها, وشجعهم على إنشاء الجرائد، ويكتب فيها بنفسه, ويطلب إلى من يتوسم فيه المقدرة والمنفعة أن يكتب فيها، ومن مقالاته في جرائد أديب إسحاق, ما كان يوقعه باسم "مظهر بن وضاح".

وطلب إلى الشيخ محمد عبده وإبراهيم اللقاني وغيرهما أن يشتركا في تحرير جريدة "التجارة" التي أنشأها أديب إسحق، وفي هذه الجريدة كتب السيد جمال الدين مقالين؛ أحدهما: "الحكومات الشرقية وأنواعها", والثاني بعنوان: "روح البيان في الإنجليز والأفغان"، وكان لهذين المقالين صدًى بعيد، ولكن جريدتي أديب إسحق "مصر والتجارة" ضايقتا رياض باشا بروحهما الجديدة وأسلوبهما الملتهب، وأفكارهما الجريئة, فأغقلهما كما مر بنا١.

وقد تدخل كذلك في تحرير "الوقائع المصرية"، وطلب إلى الكُتَّاب أن يدبجوا مقالاتهم في موضوعات معينة تمس حياة الأمة في صميمها، فيقول الشيخ محمد عبده: "إن الحاكم وإن وجبت طاعته، هو من البشر الذين يخطئون وتغلبهم شهواتهم، ولا يرده عن خطئه، ولا يقف طغيان شهوته إلّا نصح الأمة له بالقول والفعل".

وتراه يحرض الصفحيّ اليهوديّ "يعقوب بن صنوع" على إصدار جريدته التهكمية "أبي نضارة" ويشجعه على الاستمرار في النقد الذي يلدغ به إسماعيل.

وقد كان لهذه المقالات أثران؛ أحدهما: تنبيه الأذهان إلى المسائل الحيوية, وتعويد الناس الجرأة على الحكام, ومطالبتهم بالنصفة والعدل، وتبيان مكايد الأجانب وجشعهم، وثانيهما: تكوين جيل من الكُتَّابِ متمكن من اللغة, قدير على الإسهاب وشرح المعضلات, من غير لجوءٍ إلى المحسنات والزخارف، وخبير بتفتيق المعاني وتوليد الأفكار، متحرر من السخافات والجمود، ومتبعًا في ذلك سنن أستاذه جمال الدين الذي يقول عنه الشيخ محمد عبده: "له سلطة على دقائق


١ راجع ص٩٢ من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>