واشتهر محمد عبده بعدله في القضاء، ونظره إلى روح القانون، وعدم تقيده بالقالب والألفاظ، وقد ساعدته دراسته للشريعة الإسلامية في هذا كل المساعدة.
إصلاح الأزهر:
مات توفيق وتولى عباس سنة ١٨٩٢م, وقد عاد لتوه من أوربا فتًى ممتلئًا حماسةً وغيرةً وحبًّا للخير ورغبةً في إنهاض مصر من كبوتها وتخليصها من الاحتلال، فغيَّرَ رجال الحاشية, وجمع حوله أقوياء الرجال حتى ضاق الإنجليز, فأخذوا يكيدون له، ورأى محمد عبده أن يستفيد من حماسة عباس، فتقرب منه وبسط آراءه في الإصلاح، وهو إصلاحٌ يتناول جهات لا تهم الإنجليز في شيءٍ, وهي الأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية، وليكن البدء بالأزهر، وارتاح الخديو للشيخ, وكلَّفَه بوضع تقرير مشروع للإصلاح، وسرعان ما وافق عليه وكوَّنَ مجلس إدارة الأزهر برئاسة الشيخ حسونة النواوي, وعُيِّنَ محمد عبده، وعبد الكريم سليمان عضوين به، وهكذا أتيحت للشيح الفرصة التي طالما نشدها للإصلاح, ولكن هل استطاع الإصلاح؟!
إنا نقول كما قال أحمد أمين١ "يالله وإصلاح الأزهر! ما حاوله أحد ونجح ولا الشيخ محمد عبده، لأن كل المحاولات كانت تتجه إلى هامش الموضوع لا أساس الموضوع، وكانت عن سبيل استرضاء أهله, والخوف من أي قلق واضطراب، وهم يتزعمهم طائفة ألفت القديم حتى عدته دينًا، وكرهت الجديد حتى عدته كفرًا، وعاشت إلى المغارات فلم تر ضوءًا, وأفنت عمرها في فهم لفظ، وتخريج جملة, وتأويل خطأ، فلم تر حقائق الدنيا، فإذا أتى المصلح سمم أهله الجو حوله، واحتموا بالدين يخيفون به الحكومة، ويكسبون به عامة الشعب.
المشكل لا يحل إلّا بالعلاج الحاسم، وهو أن يتبع الأزهر الحكومة تبيعة الجامعة، ويستقل استقلالها ويخضع في نظمه لما ترشد إليه علوم التربية الحديثة, ويرقى برقيها، ثم ينفذ ذلك من غير خشية".