كان عبد الله نديم يمثل الروح المصرية أتم تمثيل، ويعرف عادات البلاد وصفات أهلها أتم المعرفة، ويحس بشعورهم وآلامهم، وما يعانونه من جور وقسوة على يد حكامهم، ولا بدع فقد خالطهم، ونشأ بينهم، وتشرَّبَ بمشربهم، وعانى مثل ما عانوا, وتربى في أحضان الفقر والفاقة، واختلط بشتَّى الطبقات، وكثرت تجاربه في الحياة, ولذلك كان يحترق شوقًا إلى الحرية، وإلى رفع الظلم عن كواهل مواطنيه، ورفع مستواهم الاجتماعيّ والثقافيّ, وأن يعيشوا في بحبوحة من العيش.
وكانت موهبته الحقة في لسانه، ويعرف أن دعوته إلى الإصلاح وإلى الثورة وإلى التعبئة القومية أيام الثورة العرابية لن تصل إلى أسماع العامة وقلوبهم إلّا عن طريق الخطابة، لفشو الأمية، ولتاثر الناس بالسماع والمشاهدة.
وقد أوتي فصاحة للسان، وقوة الحجة والبيان، ومعرفةً عميقةً بنفسية الشعب, وكيف يهيجه بعذب الكلام، استمع إليه يحث الناس على مجاهدة الإنجليز وحربهم, بعد أن نزلوا الإسكندرية، وبدا منهم الغدر والعدوان، بذلك الأسلوب الساحر القصير الفقرات, الذي يمزجه بآيات القرآن، وأبيات الشعر فيزاد قوة ورونقًا وتحميسًا:
أيا نخوة الإسلام هزي رجالنا ... لحرب بها عز البلاد يدوم
يا بني مصر:
هذه أيام النزال، هذه أيام الذود عن الحياض، هذه أيام الذب عن الأعراض، هذه أيام يمتطي فيها بنو مصر صهوات الحماسة، وغوارب الشجاعة، ومتون الإقدام لمحاربة عدو مصر بل العرب، بل عدو الإسلام، الدولة الإنجليزية خذلها الله ورد كيدها في نحرها, فقاتلوهم قتال المستميتين، وليجدوا فيكم غلظة، واعلموا أن الله مع المتقين. قوم نفضوا العهود، ونكثوا الأيمان، وهموا بإخراج أهل الحكم، وهم بدءوكم أول مرة: أتخشونهم, فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين.