للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينطلق كل شخص بما يوافق طبعه وصنعته ودرجة علمه، مماي دل على خبرة واسعة بالناس وطباعهم ولغة حديثهم، وله مقالات اختار لها عناوين من العامية الدارجة, تدل على تمكنه عن تفهم البيئة الفقيرة ولغتها، وعلى روح الفكاهة والسخرية عنده مثل: "الشنة والرنة في أولاد مصر الزنة" ومثل: "حاوريني يا طيطة في الطربوش والبرنيطة" و"شد الدبلاق في أكتاف أهل بولاق" وإن كانت المقالات نفسها مفقودة مع دواوين شعره.

منزلته:

واشتهر عبد الله النديم بالخطابة، وتملكه لناصية القول، فكان لسان الأمة في عهده بخطبه المملوءة حماسة وقوة وصراحة، يذيعها في كل مجلس بكل مكانٍ, لا يكلُّ ولا يملُّ، وقد استطاع بهذا أن ينشر آراءه في أكبر عدد ممكن من الأمة, وأسهم في تكوين رأي عام -سواء بخطبه أو بقلمه- يؤمن بحكم الشورى، ويثور ضد الأجانب، ويتطلع إلى إصلاح المفاسد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وإذا كان السيد جمال الدين رسول الخاصة في هذه المعاني, فعبد الله نديم أوتي المقدرة واللباقة على أن يبسط آراء جمال الدين ونظريات الإصلاح المنشود في كل نواحي الحياة، حتى يفهمها العامة؛ من الفلاح في حقله, والتلميذ في مدرسته، والصانع في دكانه.

وقد شهد بمقدرته على الحديث والخطابة وبراعته في تنميق الكلام كثيرٌ من ذوي الخبرة بوجوه الكلام، فهذا جمال الدين الأفغاني، وهو من عرفت ذكاء وقوت عارضة، ومقدرة على الحديث يقول: "إن ما رأى مثل النديم طول حياته في توقد الذهن وصفاء القريحة، وشدة العارضة، ووضوح الدليل، ووضع الألفاظ وضعًا محكمًا بإزاء معانيها إن خطب أو كتب"١.

وأحمد تيمور العالم المحقق يقول في الترجمة التي كتبها له٢: "كان شهيّ الحديث، حلو الفكاهة, إذا أوجز ود المحدث أنه لم يوجز، لقيته مرة في آخر إقاماته


١ سلافة النديم ص١٧.
٢ تراجم أعيان القرن الثالث عشر وأوائل الرابع عشر, لأحمد باشا تيمور, ص٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>