وهكذا ظلَّ عرابي وطنيًّا حتى آخر كلمة سطرها، وفيًّا لبلاده ولمبدئه, على الرغم من المحن التي توالت عليه، وقد ظلمه التاريخ، وتجنَّى عليه الكُتَّابُ تملقًا للأسرة الحاكمة, حتى شوقي قال يستقبله عند عودته من المنفى:
صغار في الذهاب وفي الإياب ... أهذا كل شأنك يا عرابي
حتى مصطفى كامل كان من المتجنيين عليه عقب عودته.
ولكنه اليوم استرد مكانته الحقة في التاريخ، وأنه كان ممثلًا لشعب بأكمله، ويتكلم بلسانه, ويشعر بشعوره, وإذا كانت الأيام قد آذته, والتقدير قد أخطأه, فما يغض ذلك منه ولا من ثورته, وقد استجاب شباب مصر لندائه, وحررت على أيديهم البلاد، وطُرِدَ الإنجليز, وأُذِلُّوا أيما إذلال، كما طردت الأسرة الظالمة شر طردة، وكانت ثورة ١٩٥٢ امتدادًا لثورته، وإن تأخر بها الزمن، إلّا أنها جاءت محكمة قاضية موفقة.
تعقيب:
رأيت أن عرابي كان خطيب الثورة، ولا يقل شأنًا عن عبد الله نديم، وإن اختلفا أسلوبًا ومنهجًا، لقد كان عرابي قدوةً للمصريين في جرأته ومطالبته بالحرية والعدالة وإنصاف الفلاحين الكادحين، وأن يعيش المصريون مكرمين في ديارهم لا مستغلين ولا مهانين، وأن تكون خيراتهات لهم لا للأجانب وأفاقي الأرض.
ولذلك كان شعاره "مصر للمصريين" أجل! كان قدوة لعبد الله نديم، ومصفطى كامل, وسعد زغلول وجمال عبد الناصرن, وضرب لهم المثل وهو الفلاح المصري في كيف يجابهون السادة المتألهين، وكيف يدمغونهم بالظلم، وكيف يثورون لكرامتهم، وكيف يحافظون على هذه الكرامة حتى في أحلك الأوقات وأشدها يأسًا، وكيف يتمسكون بحقوقهم لا يلينون, ولا يضعفون أمام جبروت الطغاة.