وصدرت مع هذه التراجم العديدة، والمؤلفات الكثيرة، مجلات قضائية؛ من أشهرها: مجلة "الحقوق" لأمين شميل، ثم آلت لإبراهيم الجمال، ومجلة "الأحكام" لنقولا توما، ومجلة "القضاء" للشراباتي وغيرها.
إن هذه النهضة القانونية قد أفادت اللغة كثيرًا، وأضافت إلى المعجم العربيّ عشرات الكلمات الاصطلاحية، ولبى العلماء دعوة فتحي زغلول حين أهاب بهم أن يهيئوا لغتهم للحياة الجديدة، ورسم لهم الطريق بقوله:"عليكم بالتقدم, فادخلوا أبوابه المفتحة أمامكم ولا تتأخروا, فلستم وحدكم في هذا الوجود، ولا تقدم لكم إلّا بلغتِكم، فاعتنوا بها وأصلحوها وهيئوها, ولا تشوهوا صورتها الجميلة بتعدد الاشتراك أو التجوز، ثم لا تقفوا بها موقف الجمود، وأقيموا في وجه هذا السيل الجارف سدًّا من الاشتقاق المعقول, والترجمة الصحيحة, والتعريب عند الضرورة, لتكونوا من الناجحين"١.
ومع هذه الفائدة الجليلة التي أحرزتها اللغة العربية بهذه النهضة القانونية, فإن من المؤسف حقًّا أن تهمل الشريعة الإسلامية وأحكامها، وأن يغلبنا الأجانب على أمرنا، ويتمكنوا من حملنا على التنكر للقانون السماويّ الذي يتمشى مع الغرائز الإنسانية، والطبيعة البشرية, وبرهنت الأيام على أنه أعدل القوانين وأقواها وأرحمها؛ إن القوانين الوضعية، ولا سيما القوانين التي وضعت لأناسٍ سوانا؛ لهم عادات وتقاليد وبيئة غير ما نحن عليه، لم تصلح المجتمع المصريّ بل أفسدته، ولو حاول المصلحون في مصر تنظيم أحكام الشريعة الإسلامية ووضعها في موادٍّ حسب أبواب القانون، ووازنوا بينها وبين غيرها من القوانين, واجتهدوا في استنباط الأحكام, ووصلوا الماضي التليد بالعهد الجديد، لبرهنوا على أنهم من أمة لها كرامة، وبها حرص على تراثها، والسير بنهضتها في السبيل المستقيم، أما عملهم هذا, فهو مسخ وتشويه للأمة، وتقليد سخيف، وهو عنوان الضعف، والشعور بالخزي أمام الأجانب، وعدم القدرة على الدفاع عن مقومات شخصيتنا.
١ مختارات المنفلوطي ص "١١" من مقالٍ لفتحي باشا زغلول, بعنوان: "ماهية اللغة".