ولقد حاول بعض العلماء في ذاك الوقت ممن كان لهم شعور صادق بهذه الكارثة أن يبرهنوا لهؤلاء الأجانب على أن الشريعة الإسلامية تستطيع أن تنهض بالمجتمع المصري كل النهوض، وأن بها من الأحكام ما يجعل الأمم الإسلامية في غنًى عن قانون نابليون, أو القانون الروماني، وهاك عمر لطفي١ يضع باللغة الفرنسية بعض مواد الشريعة الإسلامية؛ ليدحض دعاوى هؤلاء المغرورين بمدنيتهم الزائفة, ومن لف لفهم ممن لم يعرفوا حقيقة الشريعة الإسلامية, ومن هذه المؤلفات التي قدمها عمر لطفي بالفرنسية للموازنة.
١- الدعوى الجنائية في الشريعة الإسلامية، وقد أعجب به الفرنج أيَّمَا إعجاب.
٢- حرمة المساكن.
٣- حق المرأة.
٤- وحق الدفاع.
إن الاتجاه الذي سلكه العراق منذ سنوات, حين انتدب الدكتور عبد الرازق السنهوري لوضع قانون للمحاكم العراقية مستنبط من الشريعة الإسلامية, والاتجاه الذي اتجته سوريا في دستورها قبل الوحدة اتجاه سليم يدل على يقظةٍ وإدراكٍ صحيحٍ لقيم التراث الإسلاميّ، وحرص على عدم المسخ والفناء في الأمم الأجنبية.
وظهرت قوة اللغة العربية كذلك، وأنها تستطيع أن تتحدى الاستعمار، وتسير في النهج العريض الذي خطه محمد علي وعبدته حكومة إسماعيل، على الرغم من العقبات التي أقامها الإنجليز أمامها؛ في رغبة العلماء والأدباء في أن يعرفوا أبناء أمتهم كثيرًا من أسس الحضارة الغربية، لعلمهم أن الاستعمار مهما كان جامحًا عنيفًا, لا يستطيع أن يستولي على إرادة العلماء ويمنعهم من
١ أصله من أسرة مغربية، ولد بالإسكندرية سنة ١٨٦٧، وتعلم بها، ثم جاء إلى القاهرة, ودرس الحقوق, وتقلَّب في مناصب الدولة حتى صار وكيلًا لمدرسة الحقوق، وكان له نشاط بارز في ميدان الحياة, فأنشأ كثيرًا من النقابات الزراعية وغيرها؛ وأنشأ نادي المدارس العليا, وله في هذا الباب كتاب إنشاء شركات التعاون، ومن أشهر مؤلفاته غير ما ذكرنا كتاب الامتيازات الأجنبية, وكان أول كتاب من نوعه في اللغة العربية، وتوفي عمر لطفي سنة ١٩١٢.