هناك القصص الأوربي، والقصص العربي، وهل الأدب العربي كما يزعم بعض الباحثين مجدب من القصة؛ كل هذه موضوعات كنا نود البحث فيها، وإيفاؤها حقها١, ولكنها كما ترى طويلة وتحتاج إلى كتاب خاصٍّ نتناول فيه القصص منذ نشأته إلى اليوم، يتعرض للقصص العربي بالتفصيل مبتدئًا بالعصر الجاهلي, والموازنة بين خرافات الجاهلية وأساطير اليونان والرومان؛ ثم يتكلم على قصص القرآن، ثم القصص الإبداعي في العصر الأموي, أي: قصص الحب العذريّ، ثم تأثر الأدب العربي بالآداب الأجنبية، ولا سيما الأدب الفارسي, وظهور كليلة ودمنة، وقصص ابن عبدوس الجهشياري، والصادح والباغم, ثم ظهور المقامات، وبعد ذلك كله ظهور ألف ليلة وليلة, ومقدار ما به من فن، ومنزلته في عالم الأدب، ويتعرض الباحث في الأدب العربي حين يكتب في كل هذا للأثر العربي الخالص في هذه القصص، وللتأثير الأجنبي فيها؛ ليستخلص من كل ذلك حكمًا على العقلية العربية، وعلَّك قد رأيت من إثارة هذه الموضوعات أمامك أنها تحتاج إلى كتاب خاص، يتكلم عنها بإسهاب ويوفيها حقها من البحث والتمحيص، ولعل ذلك يكون قريبًا.
أما الآن فإني أتعرض للقصة من ناحية واحدة، دعاني إليها كثرة ما ترجم من أدب الغرب وقصصه في أخريات القرن التاسع عشر والقرن العشرين، ودعوى الغربيين بأنها نتاج يصعب على العرب إخراج مثله؛ إذ ينقصهم الخيال المبتكر والعقل الخالق.
يدعي هؤلاء أن السبب في فقدان القصة من الأدب العربي هي البيئة التي عاش فيها العرب دهورًا طويلة في صحرائهم المجدبة، التي قلما يطرأ على بساطها تغير، فشمسها ضاحية, وهواؤها راكد، لا غابات فيها تشق أشجارها أجواز الفضاء، وتتلون أوراقها ألوان مختلفة تبعًا لتغير فصول السنة، ويشعر من يغشاها برهبة تملأ جوانحه، وقشعريرة تسري في بدنه، ولا كهوف فيها تتحدث عن شعوب اتخذتها مسكنًا أمدًا غير يسير، ثم هجرتها، بعد أن تحضرت، وخلفت
١ راجع دراسات أدبية ج١ المؤلف, ففيه فصل ضافٍ عن أدب القصة.