جدوى منه؛ إذ سيكون عرضًا خاطفًا لا عمق فيه، ولا تحليل ولا موازنة. وليس ذلك هدفنا من دراسة الأدب الحديث. بل إننا نقصد إلى تحديد معالمه، وتعرف مدارسه والفحص عن العوامل المتباينة التي شكلته وألهمته وأثرت فيه، ولا يتأتى هذا إلا بالتخصص في الدراسة، ولا سيما إذا شفعت بتراجم وافية لكبار الشعراء.
ولذلك رأيت من الخير لنفسي وللأدب الحديث أن أتكلم عن الشعر في مصر، ولعل من أبناء العروبة من يتطوع لدراسة الشعر في العراق، وآخر في الشام، فيعطينا فكرة قوية واضحة، وبحثًا مستفيضًا عن بيئته ومجتمعه وألوان الشعر ثمة. فالبلاد العربية على الرغم من اتحاد اللغة والاشتراك في الأمال والأماني والتاريخ والدين تتباين في كثير من الأمور: في طبيعة أرضها واختلاف مناظرها، والعوامل السياسية والاقتصادية التي طرأت عليها، وحظها من الاتصال بالحضارة الغربية، ونهضتها التعليمية والأدبية، وفي مجتمعاتها. إلى غير ذلك وليس الأدب إلا صورة من البيئة التي نبت فيها، وأوحت به، ولو كان أدبًا عالميًا تنجذب إليه كل نفس، ويهفو إليه كل عقل.
وإذا كنت قد سلكت في الجزء الأول من "الأدب الحديث" غير هذه الطريق؛ فذلك لأن جمهرة الأدباء من شعراء وكتاب كانوا من أتباع المدرسة التقليدية ولم يتميز أحدهم عن الآخر إلا في الأداء، وقد تشابهوا موضوعًا وصورًا. وليس الحال كذلك اليوم بعد أن خطونا في نهضتنا شوطًا طويلًا، وعظم اتصالنا بالثقافة الغربية والأخذ منها.
ورأيت لزامًا عليّ قبل أن أخوض في موضوع الشعر أن ألقي نظرة فاصحة إلى المجتمع المصري، ومدى تأثره بالثقافة الغربية التي وفدت إلينا وتأثرنا بها، من إبداعية "رومانتيكية"، وواقعية رمزية وسواها. وخصائص كل مدرسة في الأدب الغربي، وكيف طبقها شعراؤنا على أدبنا، وإلى أي حد اقتبسوا منها: ومدى تمسكهم بالأدب العربي القديم أسلوبًا، وقالبًا، وموضوعًا.
ثم أتحدث بعد هذا عن المدارس الشعرية في مصر: من محافظة مقلدة ومجددة محترسة في تجديدها تجمع بين القديم والجديد، إلى مجددة متبرمة