وقد أثار هذا القرار حنق الشعب كله ضد بطرس غالي رئيس الوزراء حينذاك، وقامت المظاهرات العديدة في كل مكان بمصر تنادي بإلغائه، وتظهر سخطها على الوزارة التي سمحت برجوع هذا القانون، الذي صار سيفًا مسلطًا على الأفكار الحرة، وعلى رجال الوطنية الذين برموا بتلكؤ الإنجليز، ووعودهم الكاذبة. وقد حوكم المرحوم الشيخ عبد العزيز جاويش بمقتضى هذا القانون لأنه كتب مقالًا في ذكرى دنشواي، وحبس ثلاثة أشهر في أغسطس سنة ١٩٠٩، ومع أن ما قام به الوطنيون في سنة ١٩٠٦ حين وقع حادثه دنشواي، وما شنوه من حرب شعواء ضد الاحتلال في الداخل والخارج، وضد كرومر بصفة خاصة كان أعنف وأقوى ما رآه الإنجليز حتى ذلك الوقت، وكان السبب في أن ضحت إنجلترا بكرومر إرضاء للمصريين أولًا، ولتهدئة السخط الذي أظهره الرأي العام الأوربي حين سمع بهذه الفظائع الوحشية ثانيًا. ولم يفكر كرومر وكان بيده كل سلطان- أن يكمم أقفواه الجرائد أو يصارد الاجتماعات التي كانت تندد بسوءات حكمه.
وبمقتضى هذا القانون أنذرت جريدة اللواء الإنذار الأول في سنة ١٩٠٩، ثم عطلت نهائيًّا في أغسطس سنة ١٩١٢، وأوقفت جريدة "العلم" شهرين، وكانت قد ظهرت بجانب اللواء في ٧ من مارس.١٩١٠، وصدر الأمر بإيقافها في ٢٠ مارس، ثم نهائيًّا في ٧ من نوفمبر سنة ١٩١٣ وبمقتضى هذا القانون كذلك حبس محمد فريد ستة أشهر؛ لأنه كتب مقدمة لديوان "وطنيتي" الذي نظمه الشيخ على الغاياتي، وصودر الديوان، وحبس الشيخ جاويش ثلاثة أشهر مع الشغل؛ لأنه كتب مقدمة أخرى لهذا الديوان كذلك١.
وظل هذا القانون الصارم سيفًا بطاشًا، ويفتك بالصحافة الحرة، ويطيح بالآراء الجريئة بل يئدها قبل أن ترى الحياة، إلى أن شبت الحرب العالمية الأولى في أغسطس سنة ١٩١٤، وأعلنت الحماية على مصر، وجاءت معها الأحكام العرفية، فقضت على البقية الباقية من الحرية الصحفية، وكانت المؤيد قد توقفت عن