للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حنايا هذه الصدور من آلام، وقد أشار سعد زغلول إلى ما عاناه المصريون في خلال هذه المدة من عنت وإرهاق في حديثه مع المعتمد البريطاني في سنة ١٩١٩ بعد أن أعلنت الهدنة بقوله: "وإن الناس ينتظرون بفروغ صبر زوال هذه المراقبة كي ينفسوا عن أنفسهم، ويخففوا عن صدورهم الضيق الذي تولاهم أكثر من أربع سنين"١.

ثم اضطرمت الثورة في مصر سنة ١٩١٩، وكان من أهم أسبابها على ما أعتقده كبت الحريات، والتضييق الشديد على الآراء والأفكار طول عشرة سنوات كاملة، بل منذ خرج كرومر من مصر سنة ١٩٠٦، ولقد كان كرومر استعماريًّا محنكًا، فسمح للمصريين بأن ينفسوا عن أنفسهم بالكتاب اوالخطابة فنأوا عن الثورة، وإن أطاحت به هذه الحرية التي منحها لهم وأبعدته عن مصر على أثر تلك الغارة الشعواء التي شنوها عليه بعد حادثة دنشواي الدامية، أما خلفاؤه فلم ينهجوا نهجه، ولم يتمرسوا بحكم الشعوب، ويدرسوا نفسياتها ويعالجوها بما يناسبها، فكانت ثورة ١٩١٩، وكانت خيرًا وبركة على وادي النيل.

ولما شبت الثورة ازدادت رقابتهم على الصحف شدة وعنفًا حتى أن الصحف المصرية لم تستطع أن تشير إلى أول اجتماع عقده الوفد المصري برياسة سعد زغلول في دار حمد الباسل إلا بأنه اجتماع ضم كثيرًا من أعيان العاصمة والأقاليم ودعوا لتناول "الشاي" والحلوى ثم انصرفوا رويدًا رويدًا وجماعات، وهم يتحدثون بفخامة هذا الاجتماع وبفضل الداعي وكرمه٢ ومن يقرأ هذا الكلام لا يفهم منه شيئًا يمت إلى السياسة بصلة، مع أن هذا الاجتماع كان إيذانًا بالثورة، وقد وضعت فيه مبادئ الجهاد، والوقوف في وجه المحتل الغاصب، وقد طبع الوفد ما اتخذه من قرارات، ووزعها على الناس حين عجزت الصحف عن نشره.

ولما طارت أول شرارة من نار الثورة في مارس سنة ١٩١٩، واستشهد كثير من الشباب في ميدان التضحية، وكثرت الاعتقالات واستبدت السلطة الغاشمة،


١ ثورة ١٩١٩ ص ٧٠.
٢ الأهرام ١٤ من يناير سنة ١٩١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>