للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمعنت في طغيانها، ولم يجد الناس في الصحف غناء لمعرفة أخبار الثورة والجهاد، وانتشرت المطبوعات والصحافة السرية التي كانت تحمل الحملات الشديدة على الإنجليز، وعلى الوزارة، وعلى القصر، وكان للطلبة جريدة سرية باسم "المصري الحر" ولها مطبعة سرية خاصة، وكان الناس يتلقفون هذه النشرات بلهف بالغ، ويتبادون الاطلاع عليها، فساء ذلك المحتل الغشوم، وأمعن في إرهابه وعنته، وأصدر الجنرال "بلفن" أمرًا شديدًا بمعاقبة كل من يلجأ إلى طبع أو إذاعة أو توزيع أي نشرة أو صورة عقابًا صارمًا، وذلك في يونية سنة "١٩١٩"١.

ولما عقدت معاهدة الصلح في قصر "فرساي" في ٢٨ من يونية ١٩١٩، وتقرر فيها الاعتراف بشريعة الحماية على مصر، وتساهلت السلطة العسكرية البريطانية بعض الشيء مع المصريين، ألغيت الرقابة على الصحف ابتداء من أول يولية سنة ١٩١٩، ونشرت رئاسة مجلس الوزراء بيانًا في ٢٦ يونية نصحت فيه أصحاب الصحف أن يلزموا الاعتدال حتى لا يلجئوا الحكومة إلى العودة لوضع القيود والروابط، ولكن الإلغاء كان صوريًّا؛ لأن إدارة الرقابة أرسلت إلى الصحف مذكرة سرية تفرض فيها الرقابة أشد وأنكى مما كان٢.

ثم مضت الثورة في طريقها لا تلوي على شيء، واشترك فيها الأمراء والفقراء، وأهل المدن، وأهل القرى، وعمت البلاد من شاطئ البحر المتوسط إلى حدود السودان، وكثر عدد القتلى والشهداء، وتأليف وزارات لم تستطع حكم البلاد، وظلت من غير حكومة فترات طويلة، وهنا اضطرت السلطة البريطانية إلى إعادة الرقابة على الصحف مرة أخرى في مارس "١٩٢٠"٣.

ولما دعا عدلي يكن لمفاوضة الإنجليز رسميًّا، وكان سعد زغلول بباريس حينذاك، وطلب منه عدلي أن يشترك في المفاوضة أرسل إليه في ١٩ من مارس ١٩٢٠ بأنه عائد إلى مصر، وقد اشترط للاشتراك في هذه المفاوضة شروطًا كان منها إلغاء الأحكام العرفية، والرقابة على الصحف قبل الدخول في المفاوضات٤.


١ راجع ثورة سنة ١٩١٩ لعبد الرحمن الرافعي ج٢ ص٣٦.
٢ المراجع السابق ص٢٩.
٣ الوقائع المصرية في ٥٨ من مارس ١٩٢٠.
٤ خطب سعد زغلول في حفل تكريمه بحي السيدة زينب يوم ٢٢ من إبريل سنة ١٩٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>