للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حقق عدلي يكن بعض هذه الشروط في مايو سنة ١٩٢١، فرفعت الرقابة عن الصحف١.

وانقسم الوفد المصري على نفسه، واختلف سعد وعدلي على رئاسة الوفد، ثم نفى سعد وصحبه إلى جزيرة سيشل في ١٥ من ديسمبر سنة ١٩٢١، وأعادت السلطة العسكرية الرقابة على الصحف مرة أخرى، وبطشت بكل صحيفة كانت تناوئها. ولما أعلن تصريح٢٨ من فبراير ١٩٢٢، وقاومته أغلبية الأمة، وكثرت الاغتيالات السياسية أساء ثروت "باشا" معاملة الصحف التي كانت تندد بالتصريح، وتعارض سياسته، فعطل جريدة "الأهالي" تعطيلًا نهائيًّا في سنة ١٩٢٢، وعطل جريدة الأمة لمدة ثلاثة أشهر، وعطل الأهرام وأصدر أوامر مشددة إلى الصحف بتجنب ذكر اسم سعد وزملائه المنفيين٢.

وأخيرًا وضع الدستور المصري، وأعلن في ١٩ من إبريل سنة ١٩٢٣، وقد كفلت المواد ٤ و٥ و١٣ و١٤ و٢١ منه الحرية الشخصية، وحرية الاعتقاد، وحرية الرأي بحيث لا يجوز القبض على أي إنسان ولا حبسه إلا وفق أحكام القانون، وكفلت المادة ١٥ منه حرية الصحافة، وحظرت الرقابة على الصحف، ومنع إنذارها وتعطيلها أو إلغائها إداريًّا، وانتهت الأحكام العرفية في ٥ من يولية سنة ١٩٢٣. وتمتعت مصر بفترة من الحرية النسبية حرمتها أمدًا طويلًا.

بيد أننا نقول والأسف يملأ قلوبنا إن الإنجليز قد تركوا لهم أذنابًا وصنائع في مصر، عبثوا بها وبحريتها، وكانوا يعبدونها من دون الله، ومن دون الوطن، ونراهم تضيق صدورهم حين يشاهدون الأمة جادة في نيل استقلالها كاملًا غير منقوص، وكأني بهم ينظرون نظرة الذئب إلى فريسته أو الوصي إلى اليتيم الصغير، ويدعون أن الأمة لم تزل في حاجة إلى الهداية والرشد، وأنهم هم القادة الأكفاء الذين أرسلتهم العناية الإلهية للأخذ بيدها، ولكن هل في تعطيل الدستور والعبث به، ووضع دساتير فجة، وفي كبت الحريات والحد من الأفلام الجريئة هداية أو رشاد؟!


١ في أعقاب الثورة لعبد الرحمن الرافعي ج١ ص٨.
٢ المصدر السابق ص٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>