للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد انفصل عن الوفد جماعة نفسوا على سعد رئاسته، وأسس حزب الأحرار الدستوريين في أكتوبر سنة ١٩٢٢، وتصدعت وحدة الأمة، واجتهد القصر في أن يحتفظ لنفسه ببعض مزايا الحكم، وألف حزب الاتحاد، ثم حزب الشعب، ثم اندمج كلاهما في حزب الاتحاد الشعبي، وكانا يشايعان القصر، وقد أدت هذه الفرقة إلى تناحر الأحزاب فيما بينها، وشدد رجال الأحزاب النكير على الحريات، والصحف المعارضة كلما تولوا الحكم. وعمدت الصحف إلى المهاترات الحزبية، وانصرفت جهود الأمة إلى دعم الحزبية، لا إلى المطالبة بالاستقلال؛ وقد ظل الأمر كذلك بعد الحرب العالمية الثانية، فرأينا نيابة الصحافة تجد في تعقب الصحف ومؤاخذتها، وفرض الغرامات على أربابها.

ولكن على الرغم من كل هذا فقد خطت الصحف في عهد الدستور خطوات واسعة جدًّا في سبيل الرقي من حيث المادة، والحجم، والفن الصحفي، وظهر إلى جانب الصحف اليومية مجلات أسبوعية وشهرية عنيت بالآداب والعلوم والفنون، وتفرغ لتحريرها صفوة الكتاب والأدباء، وعملت على تحبيب الأدب للجمهور وكانت أداة فعالة في التقريب بين الشرق والثقافة الغربية. وقد بلغت هذه الصحافة الأدبية الذروة بعد إعلان الدستور فترى السياسة الأسبوعية تحمل مشعل التجديد، وتحث الناس على الأخذ بأسباب الحضارة الأوربية دون مراجعة أو تردد، وتستمر حقبة من الزمن وهي في عنفوانها، ثم تضمحل بضعف الأحرار الدستوريين سياسيًّا، ويظهر بجانبها البلاغ الأسبوعي ينافسها في ميدان الأدب، ويظل حقبة يغذي الأدب العربي بأفاويق الأدب الغربي، وبعرض أراء جمهرة من الكتاب والشعراء عرضًا جذابًا وتظهر مجلة الجديد في سنة ١٩٢٨ لنائل المرصفي، ولكنها لا تبقى أكثر من سنتين، ومن ثم تظهر في الأفق مجلة قوية بأقلامها والمحررين فيها، وكانت ثمرة ناضجة لهذه الجهود الطويلة الذي بذلها محمد عبده وأتباعه ألا وهي مجلة الرسالة للأستاذ أحمد حسن الزيات، وتظل سنوات في مقدمة المجلات الأدبية في الشرق، إلى أن تظهر مجلة الثقافة للأستاذ أحمد أمين ولجنة التأليف والترجمة وتبقى قوية بضع سنوات ثم تضعف هذا عدا الهلال والمقتطف والزهراء لمحب الدين الخطيب وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>